هذه الآيات ، ولكنه لم يزد شيئا على تقسيم الناس الى طيب وخبيث ، وبديهة ان هذا معلوم للجميع لا يحتاج الى بيان فضلا عن التفسير والتطويل.
وتسأل : إذا كان تقسيم الناس معلوما للجميع يكون بيانه تحصيلا للحاصل ، وتوضيحا للواضح ، مع ان كلام الله سبحانه يجب أن يحمل على أحسن المحامل؟ الجواب : من الجائز أن يكون القصد هو الإرشاد والتوجيه الى أن العاقل ينبغي له أن لا يخدع بالظواهر ، ولا يثق بمن يتقن صناعة الكلام ، فان المفسدين المأجورين متخصصون بهذه الصناعة وعملية الرياء ، فعلينا أن لا نعتمد على أحد الا بعد التجربة ، وقيام الدليل على صدقه ونزاهته.
وهذا أصل عام يتفرع عليه كثير من الأحكام الدينية والدنيوية ، كاختيار الحاكم والنائب والقاضي والمفتي ، وكل من يتولى مصلحة من المصالح العامة .. وغريبة الغرائب ان تطلب الشهادات العلمية من المرشح للوظائف الحساسة التي تناط بها مقدرات البلاد وحياة العباد ، ولا يسأل عن أمانته وكفاءته الخلقية ، مع انها الأساس .. ان الكثير من حملة الشهادات يستعملونها أداة للصوصية.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ). أي يظهر الحب والخير ، وهو من أشد الناس عداوة للخير وأهله.
(وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها). اختلف المفسرون : هل المراد بالتولي هنا الانصراف والاعراض ، ويكون المعنى ان هذا الذي يدعي الإصلاح إذا انصرف عن مخاطبه سعى في الأرض بالفساد ، او ان المراد بالتولي الولاية والسلطان ، ويكون المعنى إذا صار واليا فعل ما يفعله ولاة السوء من إهلاك الحرث والنسل؟.
ونقل صاحب تفسير المنار عن استاذه الشيخ محمد عبده انه رجح المعنى الثاني بقرينة قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) لأن الحاكم المستبد يكبر عليه أن يرشد الى مصلحة ، أو يحذر من مفسدة ، فهو يرى ان هذا المقام الذي ركبه يجعله أعلى الناس رأيا ، وأرجحهم عقلا ، بل يرى نفسه فوق الحق ، كما انه فوق أهله في السلطة .. فكيف يجوز لأحد أن يقول له : اتق الله.