ضرتان» أي ان الاهتمام بإحداهما يصرف الإنسان عن الأخرى قهرا (١). وقال الإمام علي (ع) : ان الدنيا والآخرة عدوتان متفاوتتان وسبيلان مختلفتان ، فمن أحب الدنيا وتولاها ابغض الآخرة وعاداها ، وهما بمنزلة المشرق والمغرب ، وماش بينهما ؛ كلما اقترب من واحدة ابتعد عن الأخرى.
(وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا). طبيعي أن يسخر الذين يتخذون آيات الله وأحكامه هزوا ، ويستحلون الدم الحرام ، والمال الحرام ـ طبيعي أن يسخر هؤلاء ممن يكف عن محارم الله ، ويتحمل المشاق من أجل مرضاته ، طبيعي أن يسخر من لا يعمل الا لهذه الحياة ممن يعمل لها ولما بعد الموت.
(وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ). قال : والذين اتقوا ، ولم يقل : والذين آمنوا ، لأن الإيمان بلا تقوى ليس بشيء كما بينّا ، والمعنى واضح ، وهو ان الكافرين إذا سخروا من المؤمنين الآن ، فستنعكس الآية غدا ، ويسخر هؤلاء من أولئك .. قال جل جلاله : ان الخزي اليوم والسوء على الكافرين .. فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون.
(وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ). الرزق رزقان : رزق الدنيا ، ورزق الآخرة ، ورزق الدنيا معلوم ، ورزق الآخرة هو النعيم الذي لا انقطاع له ، ولا تشوبه شائبة من حزن او خوف ولا يناله أحد إلا بالايمان والعمل الصالح : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). أما رزق الدنيا فيناله الكافر والمؤمن والبر والفاجر بسعي وغير سعي ، كالارث والهبة والوصية ، وما اليها ، وأيضا يناله عن طريق جائز ، وغير جائز ، كالسلب والنهب ، والغش والاحتيال.
ونقل صاحب تفسير المنار عن استاذه الشيخ محمد عبده انه قال عند تفسير هذه الآية ما يتلخص بأن الرزق بغير سعي قد يحصل لبعض الأفراد ، أما الأمة فمحال أن تكون غنية عزيزة إلا بالسعي والعمل .. وهذا حق ثابت بالعيان والبديهة.
__________________
(١) في الحديث : ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة ، ولا الاخرة للدنيا ، ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه ، المؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف.