وعلى القراءة الأولى يكون «مالك» وصفا ، وعلى القراءة الثانية يكون «ملك» بدلا.
وفي نهج البلاغة : إنّا لا نملك مع الله شيئا ، ولا نملك الا ما ملّكنا ، فمتى ملّكنا ما هو أملك به منا كلّفنا ، ومتى أخذه منا وضع تكليفه عنا.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ :
إياك ضمير منفصل ، ومحله النصب مفعولا للفعل الذي بعده ، وقدم للحصر والاختصاص .. والمعنى نعبدك ، ولا نعبد سواك ، ونستعين بك ، لا بغيرك ، وخاطب العبد ربه بضمير المفرد إخلاصا في التوحيد ، وتنزيها عن الشريك ، ومن أجل هذا لا يخاطب الواحد القهار بصيغة الجمع .. أما ضمير نحن في نعبد ونستعين فللمتكلم ومن معه ، لا للتعظيم.
وتتحقق العبادة بالصوم والصلاة ، والحج والزكاة لوجه الله تعالى ، وأيضا تتحقق بكل عمل انساني يسد حاجة من حاجات الناس ، فلقد جاء في الحديث : «أهل المعروف بالدنيا أهل معروف في الآخرة .. خير الناس أنفع الناس للناس».
وليس معنى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ان الله أهل للعبادة وكفى ، بل تدل الآية أيضا على ان الإنسان مخلوق كريم حرره الله من العبودية والخضوع إطلاقا إلا للحق الذي يعلو على كل شيء ، ولا يعلو عليه شيء .. وبديهة ان الحرية التي لا يحدها الحق تنعكس الى فوضى .. ومما قرأته في هذا الباب قول جان بول سارتر : «ان التحرر الحقيقي ان يلتزم الإنسان بوضع نفسه وحريته في خدمة الآخرين» (١).
__________________
(١) معنى الوجودية التي كان يقول بها سارتر ان كل فرد من افراد الإنسان هو في عزلة واستقلال عن غيره ، وانه لا شيء بالنسبة اليه إلا وجوده وحده ، ولا يتحقق له وجود إلا إذا انطلق مع حريته ، دون قيد أو شرط ... أما الدين والمبادئ والمعايير والمقاييس فكلام فارغ ، فلا خير إلا خير الفرد نفسه ، ولا شر إلا شره بالذات ... ويستدل سارتر على ذلك بأن الإنسان أتى من عالم مجهول ، ويذهب إلى عالم مجهول وانه وجد قبل القوانين العقلية والدينية ، ومن استسلم لدين من الأديان ، أو لمبدإ من المبادئ فقد قيد نفسه ، وتنازل عن حريته ، وبالتالي عن وجوده .. ثم عدل سارتر عن فلسفته هذه ، واعتنق «حرية أعظم ، وهي الحرية من أجل الملايين ، وان الإنسان يكسب نفسه حينما يضعها في خدمة الآخرين ، وان الإنسان الحقيقي هو الذي يلتزم بهذا المبدأ» .. وبعد أن كان سارتر يتكلم عن الفرد ويدافع عنه أصبح يتكلم عن الشعوب ويدافع عنها.