(وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً). (مما) من للتبعيض ، وما من صيغ العموم ، وكذلك شيء هنا ، لأنها نكرة في سياق النفي تشمل اليسير والكثير ، والمعنى ان الزوج إذا كان هو الكاره الراغب في الطلاق والفراق فليس له أن يسترجع شيئا مما كان قد ملكها إياه هبة أو تستحقه عليه مهرا أو نفقة ، قال تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) ـ النساء ٢٠».
هذا إذا كان هو الكاره الراغب في فراقها ، أما إذا كانت هي الكارهة له الراغبة في فراقه فلا مانع أن تبذل له ما يرضيه ، كي يطلقها ، سواء أكان المبذول بقدر المهر ، أو أقل ، أو أكثر ، ويسمى هذا الطلاق المبني على البذل منها طلاقا خلعيا ، لا يحق له الرجوع اليها في العدة ما دامت مستمرة على البذل ، فان رجعت عنه أثناء العدة ساغ له أن يرجع هو بدوره في الطلاق ان شاء.
وإلى هذا الطلاق الخلعي أشار سبحانه بقوله :
(إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ). هذا استثناء من عدم جواز الأخذ منهن عوضا عن الطلاق .. وحدود الله هي الحقوق والواجبات التي لكل من الزوجين للآخر وعليه ، والمعنى أيها الأزواج لا تأخذوا شيئا من مطلقاتكم بسبب من الأسباب إلا بسبب واحد ، وهو أن تكون هي الكارهة للزوج ولا تطيق عشرته ، بحيث يؤدي نفورها منه إلى معصية الله في التقصير بحقوق الزوج ، وقد يخاف الزوج أيضا أن يقابلها بالاساءة أكثر مما تستحق ، ففي هذه الحال يجوز لها أن تطلب الطلاق من الزوج ، وتعوضه عنه بما يرضيه ، كما يجوز له أن يأخذ ما افتدت به نفسها. وفي الحديث ان ثابت بن قيس كان متزوجا بنت عبد الله بن أبي ، وكان هو يحبها ، وهي تبغضه ، فأتت النبي (ص) وقالت : يا رسول الله لا أنا ولا ثابت ، لا يجمع رأسي ورأسه شيء ، وقد كان ثابت قد أصدقها حديقة ، فقال ثابت : والحديقة؟ فقال لها الرسول : ما تقولين؟. فقالت : نعم .. وأزيده. قال الرسول : لا ، الحديقة فقط ، فاختلعت منه.