والمعاد ، فصل «بين الدنيا والآخرة» وفصل «حساب القبر».
(قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ). قال لم يتسنه بالإفراد ، دون التثنية ، لأن الطعام والشراب من فصيلة واحدة ، من حيث سرعة الفساد اليهما ، ومعنى لم يتسنه لم يتغير بمرور السنين ، بل بقي على حاله ، وهذه معجزة إلهية ، لأن الطعام والشراب يسرع اليهما الفساد ، وأخشى أن يقول من يحاول تطبيق القرآن على العلم الحديث : انهما كانا في ثلاثة ..
(وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ). كيف صار رميما ، مع بقاء طعامك وشرابك على حالهما ، وهذا أبلغ في المعجزة ، واظهار المقدرة في خرق العوائد ، لأن الجو واحد ، والظروف واحدة ، فلو كانت هي المؤثرة لأسرع البلى الى الطعام والشراب قبل أن يسرع الى الحمار ، لأنه أقوى منهما على البقاء ، فموته هو مع بقائهما مائة سنة على ما كانا عليه من أصدق الدلائل على ان الله لا يعجزه شيء على الإطلاق.
وقيل : ان الحمار بقي حيا طوال المائة عام بلا طعام ولا شراب .. وعلى الحالين فان الله سبحانه قد فعل ذلك ليزيل تعجب عزير ، واستبعاده لإحياء أهل القرية ، وأيضا ليجعله آية على وجود البعث عند من علم بحاله من أهل عصره ، وهذا هو المراد بقوله تعالى : (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ).
(وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً). اختلفوا في هذه العظام : هل هي عظام عزير ، أو عظام حماره؟. وقال قائل : انها عظام صاحب الحمار ، وان الله سبحانه أحيا أولا عينيه ، لينظر الى بقية جسده كيف يتجمع ويحيا .. وهذا قول على الله بلا علم ، والأرجح انها عظام الحمار ، لقول صاحبه : لبثت يوما أو بعض يوم. إذ لو كان قد رأى عظامه هو رميما لتنبه الى طول الأمد.
وننشزها بالزاي ، أي نرفعها ، ونركّب بعضها ببعض ، كساها سبحانه لحما ، تماما كما بدأ أول خلقه يعيده ، قال الإمام علي (ع) : ليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من شأنها واختراعها.
(فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). قال هذا بعد أن مر بالتجربة الشخصية التي لا تقبل الشك ، وكيف يشك ، وقد شاهد بالعيان معاجز ثلاثا : الأولى إعادته الى الحياة بعد الموت. الثانية : احياء حماره. الثالثة : بقاء طعامه مائة عام.