حال ، ولذلك تساءلوا عن السبب الذي دعا ابراهيم (ع) الى هذا السؤال ، مع العلم بأنه مؤمن بالبعث ايمانا لا يشوبه شك ، ثم اختلفوا في جوابه على اثني عشر قولا ، ذكرها الرازي ، ولا وجه لبحثهم من الأساس ، لأن الايمان بالغيب لا يتنافى مع طلب المشاهدة بالعيان ، فان كل من آمن بالله وملائكته ، وبما جاء في كتبه من أخبار الغيب ، كل المؤمنين من أكبر كبير الى أصغر صغير يتمنون أن يشاهدوا بالعيان ما آمنوا به عن طريق الغيب والوحي الا علي بن أبي طالب الذي قال : «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا».
وكيف كان ، فان خليل الرحمن (ص) آمن بالبعث ايمانا غيبيا عن طريق الوحي كغيره من الأنبياء والصديقين ، ثم أحب أن يشاهد الحادثة بعينه بعد أن شاهدها بقلبه وعقله ، وبذلك تتم لديه جميع طرق المعرفة قلبا وعقلا وتجربة.
وقد أجاب الله سؤله ، وأمره أن يأخذ أربعة من الطير ، ويضمها اليه ، ثم يقطّعها أجزاء ، ويفرقها أشلاء ، ويجعل على كل جبل منهن جزءا ، ثم يدعوهن اليه ، فيأتينه سعيا بإذن الله. وامتثل ابراهيم أمر ربه ، فعادت الأشلاء الى مكانها ، ورجعت الحياة اليها ، وسعت اليه بقدرة الله.
والذي ننتهي اليه من هذه الآية ان طلب الكشف عن سر الخلق أو البعث ينشأ تارة عن الشك والتردد ، وهذا يتنافى مع الايمان بقدرة الله والثقة بوحيه وأنبيائه ، وتارة ينشأ عن حب الاطلاع والمعرفة الحسية ، مع الايمان بقدرة الخالق ، والثقة بأنبيائه ، حتى ولو لم ير كيف يحيي الله الموتى ، كما هو الشأن في ايمان ابراهيم ، وهذا الطلب لا يضر بالايمان في شيء ، ولكنه صعب المنال ، بل ومحال ان يتحقق لراغب إلا إذا كان نبيا كإبراهيم الذي لا يزعزع إيمانه بقدرة الله شيء ، حتى ولو لم يستجب الله لسؤله ، وعلى هذا فمن اشترط التجربة والمشاهدة لإيمانه بالبعث فهو كافر من الأساس ، ولو كان مؤمنا بقدرة الله حقا لكان في غنى عن هذا الشرط ، لأن قدرته تعالى لا يعجزها شيء في السموات ولا في الأرض.