لا من خبيثه وحرامه ، إلى غير ذلك (١).
(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ). تساءل المفسرون : كيف ضرب الله مثلا بحبة تنتج هذا الانتاج ، مع العلم بأنه لا وجود لها؟ وبعضهم أجاب بأن المثال كناية عن الكثرة ، لا تعبيرا عن الواقع ، وقال آخر : انه مجرد فرض أريد منه أن العاقل إذا علم ان بذرته تعود عليه بسبعمائة ضعف يقدم ولا يحجم.
وليس من شك ان المفسرين استبعدوا هذا المثال ، لأنهم قاسوا الزراعة من حيث هي على الزراعة في العصر الذي عاشوا فيه ، حيث لا وسيلة اليها سوى الثور والحمار ، والمعول والمسحاة ، ولو كانوا في هذا العصر لم يروا في مثال الله أية غرابة بعد ان دخل العلم الى كل شيء ، واستعملت أدواته في الزراعة ، وفي كل مظهر من مظاهر الحياة.
هذا وان عطاء ربك لا ينضب ، ولا تحصيه كثرة ، ولا يضيق على من يرتضي من عباده ، فالسبعمائة ضعف ليست حدا أعلى لفضله وعطائه ، ولذا قال : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ). وكما تقبل ال ٧٠٠ ضعف الزيادة فإنها تقبل النقصان أيضا .. حيث يراعى حال الباذل ، ومورد الشيء المبذول .. فرب درهم واحد ممن يحتاج اليه يكون أعظم أجرا عند الله من ألف ممن هو في غنى عنها .. وأيضا درهم واحد يبذل في إعلاء شأن الحق ، والتربية على الدين والأخلاق ، أو يبذل في إسعاد الناس ، وخلاصهم من الظلم والفقر ، هذا الدرهم الواحد الذي يبقى أثره ، ويدوم نفعه زمنا طويلا أفضل مليون مرة من ألوف تعطى لمن ينفقها على ترف أبنائه ، وأزواج بناته.
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ
__________________
(١) قال بعض المفسرين الجدد : ان هذه الآيات «تضع النظام الاقتصادي» .. والحقيقة انها أبعد ما تكون عنه ، لأن النظام الاقتصادي يرتكز أولا وقبل كل شيء على تحديد وسائل الانتاج ، وتعيين أربابها ، وهذه الآيات وغيرها لم تتعرض لشيء من ذلك .. وإنما حثت الأغنياء أن يبذلوا من أموالهم في سبيل الله.