ثالثا : ما ذا نصنع بالمريض الذي لا يملك ثمن الدواء ، وبالجائع الذي لا يجد وسيلة للغذاء في مجتمع يسوده فساد الأوضاع : هل نتركهما ، حتى تصلح الأوضاع ، ويمحى من الوجود أثر الفاقة والبؤس : أو نشرّع قانونا يضمن لهما الحياة وسد الخلة؟ ثم هل يمكن تغيير الأوضاع ، ومحو الفقر بجرة قلم ، ودون أن يمر المجتمع بأكثر من مرحلة؟.
ان الإسلام حرب على الضعف بشتى مظاهره ، بخاصة الفقر ، وقد تعوذ النبي (ص) منه ، وعنه في بعض الروايات : «كاد الفقر يكون كفرا .. المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف».
ان رسالة السماء تستهدف كرامة الإنسان وسعادته ، والفقر منقصة ومذلة ، وشقاء وبلاء .. فمحال ان يقره الإسلام .. ان الإسلام لا يأبى ان يكون في المجتمع غني وأغنى ، وقوي وأقوى ، ولكنه يأبى أن يكون فيه فقير وضعيف. ان الإسلام لم يشرع الزكاة من أجل الفقراء فقط ـ كما يظن ـ وانما شرعها حلا للعديد من المشاكل ، منها مشكلة الفقر ، حيث يوجد ، ومنها مشكلة الرق ، حيث تفك رقاب العبيد بأموال الزكاة ، ومنها مشكلة الإنفاق على الجند المجاهد ، وما الى ذلك من المصالح العامة ، كإنشاء المدارس والمصحات ودور الأيتام ، وشق الطرق والري .. ويأتي الكلام ان شاء الله عن مصرف الزكاة في الآية ٦٠ من سورة التوبة. ولو افترض ان مر على الانسانية زمان لا فقير فيه ، وجميع المصالح العامة متحققة متوافرة بحيث لا يوجد إطلاقا مصرف للزكاة فإنها تلغى من غير شك ، وهذا الزمان آت لا محالة ، فقد جاء في الجزء التاسع من صحيح البخاري ، باب الفتن ، عن النبي (ص) انه قال : «تصدقوا ، فسيأتي على الناس زمان ، يمشي الرجل بصدقته ، فلا يجد من يقبلها».
هذا ، إلى أن الإسلام أوجب على صاحب الزكاة حين يؤديها الى المحتاج أن لا يؤذي كرامته ، ولا يخدش شعوره ، وان يعتقد انه يؤدي واجبا عليه ، ودينا لا بد من وفائه ، وليؤكد القرآن هذا المعنى قال : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ـ المعارج ٢٤ ـ ٢٥» .. وتقدم تفسير الآية ٢٦٢ ـ ٢٦٣ : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً).