والصحيح ان الزكاة أبعد ما تكون عن الضريبة والنظام الاقتصادي ، لأن الشرط الأساسي لصحة الزكاة وقبولها هي نية التقرب بها الى الله ، وبدونها لا تقبل إطلاقا .. ولا شيء من الضرائب والأنظمة الاقتصادية يعتبر فيه هذا الشرط.
هذا ، الى ان النظام الاقتصادي بمعناه الحديث ينظر أول ما ينظر الى وسائل الانتاج ، كالأرض والمعدن والمصنع ويعتبرها ملكا شخصيا للأفراد يسيطرون عليها ، ويتحكمون بها ، كما هي الحال في النظام الرأسمالي ، أو يعتبرها ملكا للجماعة تديرها وتتحكم بها الدولة ، كالنظام الاشتراكي ، والزكاة لا تنظر الى هذه الجهة إطلاقا ..
ثم ان الضريبة تتولى السلطة الحاكمة أمر تحصيلها وإنفاقها ، ولا تجيز بحال أن يمتنع المالك عن اعطائها للسلطة : ويتولى هو بنفسه صرفها في مواردها.
وقد أجمع فقهاء المسلمين كافة على ان للمالك أن ينفق الزكاة بنفسه دون اذن الحاكم ، وانه يصدّق بلا بينة ويمين إذا قال : أنفقتها في وجهها ، وأين هذا من الضريبة؟!. بل أجاز الفقهاء للجابي أن يصرف الزكاة الى الفقراء بنفسه ، ولا يردها الى بيت المال .. قال الإمام علي (ع) لأحد عماله : اصرف ما عندك من المال الى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة مصيبا به مواضع الفاقة والخلات. وبديهة ان هذا التصرف محظور على جابي الضرائب.
وقد يقول قائل : ان فريضة الزكاة معناها الاعتراف بأن الفقر محتوم لا مفر منه ، وان الإسلام يعالجه بالصدقات والتبرعات ، وانه يقيم الحياة على البذل والعطاء ، وبالنتيجة يقسم الناس الى طبقات على أساس الغنى والفقر.
الجواب أولا : ان مصرف الزكاة لا ينحصر بالفقراء والمساكين فقط ، فان من جملة مصرفها المصالح العامة التي عبّر الله عنها بسبيل الله في العديد من الآيات ، فإذا لم يوجد الفقير صرفت الزكاة في هذا السبيل .. اذن ، فريضة الزكاة لا تحتم وجود الفقر على كل حال ، كي يقال : انها اعتراف واقرار بأن الفقر ضربة لازم لا مفر منها.
ثانيا : ان الضمان الاجتماعي يكفل للمعوزين ما يصونهم عن التسول والتشرد ، وهذا الضمان موجود في البلاد الاشتراكية التي لا تعترف بالفوارق المادية والطبقات.