أتاه ملك ، وليس بشيطان ، وقد خاطبه الله بقوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) ـ يونس ٩٤». وفي الحديث ان النبي عقّب على ذلك قائلا : لا أشك ولا أسأل.
وبهذا يتبين ان الغرض في قوله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ) ان ما جاء في هذه السورة وغيرها من أصول الايمان والعقيدة ، والعظات والأحكام وكل ما أخبر به الرسول هو من وحي الله سبحانه ، وهذا الوحي لم يؤمن به الرسول إلا بعد أن مر بمرحلة الشك والبحث والملاحظة الدقيقة ، والا بعد ان تكشفت له الحقيقة بالحس والعيان ، اذن ، كل ما أخبر به الرسول فهو من عند الله لا ريب فيه.
(وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ). ليس الايمان بالله بمعناه الكامل الشامل ان نعتقد بأنه خالق الكون وكفى .. كلا ، ان المؤمن حقا هو الذي يؤمن بالله ، وبما بعث من الرسل ، وأنزل من الكتب بما فيها من اصول ومبادئ واحكام وملائكة ، وما اليها من المغيبات دون استثناء ، فمن آمن بالله دون كتبه ورسله ، أو آمن به وببعض كتبه ورسله كان حكمه عند الله غدا حكم من لم يؤمن به إطلاقا ، ولو ان اهل الأديان أخذوا بمبدإ الايمان بالله ، وبكل ما جاء من عنده لما كانت هذه الطوائف وتناحرها وتخاصمها ، ولكنهم آمنوا ببعض ، وكفروا ببعض فكان بينهم هذا العداء المستمر.
(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها). لأن التكليف بغير المقدور ظلم : (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ـ آل عمران ١٨٢». ولكن الاشعرية أجازوا التكليف بغير المقدور ، ونفاه الإمامية والمعتزلة.
(لَها ما كَسَبَتْ) من الخيرات والحسنات. (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) من الشرور والسيئات ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .. ومن رحمة الله بعباده ان العبد إذا صدرت منه حسنة كتبها الله له في الحال ، وبمجرد صدورها منه ، وإذا صدرت منه سيئة أمهله حينا ، فان استغفر وندم لم تكتب ، وان أصر كتبت عليه .. وقال جماعة من العارفين ان الإنسان يفعل الخير بدافع من نفسه ، لأنه مفطور عليه ، ولا يفعل الشر إلا ببواعث خارجية من البيئة والتربية الفاسدة ،