ولهذا جعل تعالى الخير من الكسب ، لا من الاكتساب ، حيث قال : (لَها ما كَسَبَتْ) ولم يقل ما اكتسبت ، وجعل الشر من الاكتساب ، فقال : (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) ولم يقل ما كسبت.
(رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا). هنا اشكال مشهور كثر حوله الكلام ، وحول جوابه في كتب الأصول وعلم الكلام ، وملخص الإشكال ان الخطأ والنسيان لا يدخلان تحت ارادة الإنسان وقدرته ، فالمؤاخذة عليهما مرفوعة بذاتها ، فمن نسي الصلاة ، أو أخطأ في فهم الحكم الشرعي واستخراجه من مصدره يحكم بمعذوريته وقبح مؤاخذته .. اذن ، فلا معنى لطلب رفع المؤاخذة عنه.
وغريب ما أجاب به الشيخ محمد عبده ـ كما نقل صاحب المنار في تفسيره ـ من ان الناسي والمخطئ تصح مؤاخذتهما بدليل ان الشريعة الاسلامية والشرائع الوضعية قد أوجبت الضمان على من أتلف مال غيره خطأ ، كما أوجبت الدية على من قتل إنسانا من غير قصد .. وأخذ هذا الجواب وتبناه في تفسيره الشيخ مصطفى المراغي.
ووجه الغرابة ان المقصود من المؤاخذة في الآية هو العقاب والمسئولية الأدبية ، لا الغرامة المادية ، فمن قتل إنسانا ، أو أتلف ماله خطأ لا يعاقب ، ولا يسأل عن شيء من الوجهة الأدبية ، وانما يحكم عليه بغرامة مالية ، تماما كالمديون.
والصحيح في الجواب : ان الخطأ والنسيان يصدران تارة من الإنسان بعد تحفظه واحتياطه ، وهذا النوع من النسيان والخطأ يعذر فيه صاحبه ، ولا تجوز مؤاخذته أدبيا ، وهو المقصود من الآية الكريمة .. وتارة يصدر الخطأ والنسيان عن التهاون وترك التحفظ ، بحيث لو تيقظ واحترز لم يصدرا منه ، وهذا النوع لا يعذر فيه صاحبه ، وتجوز المؤاخذة عليه ، وهو المطلوب رفعه في الدعاء .. وعليه يسقط الاشكال من أساسه.
(رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ). الإصر العبء الثقيل الذي يأصر صاحبه ، أي يحبسه مكانه ، والمراد به هنا التكليف الشاق .. وقد وضعه الله سبحانه على بني إسرائيل ، حيث فرض عليهم خمسين صلاة في اليوم والليلة ، وأمرهم بأداء ربع أموالهم في الزكاة ، وغير ذلك من التكاليف الشاقة التي ذكرها أهل التفاسير مفسرين بها قوله تعالى :