و «منها» : ان الملتزم معفو عن خطأه إذا أخطأ بعد البحث والفحص ، ولا عذر لغيره ولا جزاء إلا اللعنة والعذاب.
وأكثر الناس لا يؤمنون ، ولا يقتنعون إلا بمصالحهم الخاصة ، من حيث لا يشعرون ، أو يشعرون .. وكيف تقنع جاهليا بأن أكرم الناس عند الله أتقاهم وهو يعتز ويتعالى بنسبه؟ أو تقنع حاكما بالعدل في حين ان حكمه وسلطانه قائم على العسف والجور .. أو تقنع محتكرا بتحريم الاحتكار وتركه ، وهو المصدر الأول لثروته؟.
ان هؤلاء ، ومن اليهم من المستهترين والمتمردين على الحق هم المقصودون بقوله تعالى(: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).
وتسأل : ما ذا تقول بالذين لا ينطبق عليهم وصف الملتزم ، ولا غير الملتزم ، كالحمقى السذج الذين يسارعون الى التصديق من غير حجة ولا برهان ، بل بدافع من سلامة الطوية ، وكفى؟.
الجواب : ان هؤلاء أشبه بالمجاذيب والمستضعفين : (عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً).
سؤال ثان : ان الظاهر من قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) انه هو الذي منعهم من الايمان واتّباع الحق ، وعليه يكون الكافر مسيرا لا مخيرا ، وبالتالي ، فلا يستحق ذما ولا عقابا؟.
الجواب : ان كل شيء لا ينتفع به ، ولا يؤدي الغرض المطلوب منه يكون وجوده وعدمه سواء ، والغرض المطلوب من القلب أن ينتفع ويهتدي بالأدلة والبراهين الصحيحة ، كما ان الغرض من السمع أن ينتفع بما يسمع من أصوات ، ومن البصر بما يشاهد من كيفيات وكميات ، فإذا قامت الدلائل القاطعة على الحقيقة ، وانصرف الإنسان عنها مصرا على ضلاله فان معنى هذا انه لم ينتفع بقلبه ، ولا قلبه انتفع بما ينبغي الانتفاع به ، حتى كأن الله قد خلقه بلا قلب ، أو بقلب موصد لا ينفتح للحق .. ولذا جاز أن ينعت قاسي القلب بأنه لا قلب له .. قال عز من قائل : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ـ ق ٣٧». مع العلم بأن القلب موجود وثابت ، لكنه ليس بشيء ما دام بعيدا عن الهدى والرشاد .. وعليه تكون نسبة الختم اليه سبحانه