واختيارهم ، ولا رقيب عليهم الا من أنفسهم فمن الخطأ أن يقال بأن للدين تأثيرا على انحطاط أتباعه والمنتمين اليه ، بحيث نكتشف من تأخرهم عدم صلاحية الدين للحياة .. أجل ، لو عملوا به ، وطبقوه تطبيقا كاملا على أفعالهم لصح ان يتخذ الدين مقياسا لرقيهم وانحطاطهم.
وبهذا يتبين الحقد والدس على الإسلام في قول من قال : «ان ضعف المسلمين دليل على ضعف الإسلام وتعاليمه».
وعلى منطق هذا المتجني يجوز لنا أن ننسب الى الديانة المسيحية كل فسق وفجور وتهتك في أمريكا واوروبا ، وان ننسب اليها أيضا الخراب والدمار وجميع الحروب التي أثارتها الدول المسيحية في شرق الأرض وغربها ، حتى إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما ، وقنابل النابالم في فييتنام ، وحتى الانحلال الخلقي ، وارتفاع عدد الجرائم يوما بعد يوم في أمريكا واوروبا ، وحتى اباحة اللواط في انكلترا قانونا وكنيسة ، كل ذلك وما اليه كثير وكثير ينبغي أن ينسب الى السيد المسيح (ع) .. حاشا الأبرار من هذه الأقذار.
هذا ، ولو أخذنا بفرية ذاك المفتري لكان اليهودي في اليمن تماما كاليهودي في نيويورك تحضرا ورقيا ، والمسيحي في مصر كالمسيحي في باريس .. ان لتأخر البلدان أسبابا كثيرة غير الدين ، وأهمها الجهل ورواسب التاريخ ، وظروف البيئة وملابساتها ، وعدم اختلاط البلد المتأخر بالبلد المتقدم (١) ، ولو لا اختلاط المسلمين في صدر الإسلام بغيرهم من الشعوب والأمم المتحضرة لم يكن لحضارة المسلمين عين ولا أثر .. أجل ، لقد كان الإسلام هو الحافز على ذاك الاختلاط .. وبالاختصار ان أسباب التقدم أو التأخر ليست كامنة في طبيعة المسلمين ، ولا في طبيعة المسيحيين ، ولا في طبيعة اللادينيين ، بل للظروف والأحوال الاجتماعية تأثير بالغ .. وسنعود الى موضوع الجبر والتفويض ببيان أطول واضح حين نصل الى آياته ، وقد شرحناه مفصلا في كتاب «معالم الفلسفة الاسلامية» ، وكتاب «مع الشيعة الإمامية».
__________________
(١) ان الدين تماما كالسلطة التشريعية ، أما التنفيذ فعلى غيره ، وقد فشلت الأمم المتحدة في الكثير من مهمتها ، وأيضا فشلت مؤتمرات السلام في تحقيقه ، وفشلت لقاءات الحكام واجتماعات القمة ، ودول عدم الانحياز وغيرها ، وما أكثر الفاشلين ، ولم تكن المسئولية عليهم ، فكيف يحمل الإسلام مسؤولية المنتمين اليه بالاسم؟