من أين جاء هذا الفهم والعقل الذي به قرّب البعيد ، وسهل العسير ، وجمع ما في الأرض في بيت واحد ، ثم ارتقى ووضع آثاره ومعالمه على سطح القمر .. فهل هذا وغير هذا جاء صدفة وعفوا؟ وهل في خصائص الأشياء ما يؤدي الى هذا التنسيق والتنظيم؟ وهل يستطيع العلم ان يجيب على ذلك؟ وبالأصح هل الاجابة عنه من اختصاص العلم التجريبي؟.
وحاول من حاول أن يجيب .. ولكن تولد من سؤاله ألف سؤال وسؤال .. نحن لا ننكر أبدا ان علماء الطبيعة قد توصلوا الى حقائق باهرة مذهلة في الطب والزراعة والصناعة .. ولكن علماء الحياة ما زالوا ينظرون في فراغ ، وهم يبحثون عن سرها وأصلها ، ولا شيء لديهم سوى ظنون لا تغني عن الحق شيئا .. وبديهة ان كل ما تعجز الطبيعة عن تفسيره يتحتم تفسيره بما وراءها.
وإذا كان وجود الإنسان هو البرهان القاطع على وجود الله سبحانه فكيف ساغ لهذا البرهان أن يجحد الدلالة الملازمة له؟ كيف ساغ للفصيح البليغ أن يجحد فكرة الفصاحة والبلاغة من الأساس؟. وهنا يكمن سر التعجب في قوله سبحانه : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) أي ما أعجب أمركم وكفركم بالله ، وأنتم بالذات الدليل الواضح القاطع على وجوده .. ومهما أنكرتم وكابرتم ، فهل تستطيعون أن تنكروا وتكابروا في انكم لم تكونوا شيئا من قبل ، فصرتم شيئا يسمع ويرى ، ويحس ويدرك ، ويقول ويفعل؟. أليس هذا دليلا ناطقا بوجود القوة الخالقة؟ .. حقا ان الإنسان لظلوم كفّار .. وما كفره بوجود الله الا كفر وجهل بوجوده هو (١) .. ومن جهل نفسه فأولى به أن ينكر ويجهل غيره .. وبهذا نجد تفسير الحديث الشريف : «أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه».
وتقول : وأي عاقل ينكر وجود نفسه؟ وهل يعقل ذلك؟.
ونجيب : ان الدليل يستلزم المدلول ، وانكار اللازم يستدعي حتما انكار
__________________
(١) قال شارلي شبلن السينمائي العالمي الذي فاقت شهرته شهرة غاندي : «ان في مملكة المجهول طاقة خيرة لا حد لها». وقال كيركجارد : «ان الله يتجلى للنفس اليائسة في أحلك لحظات اليأس ، وفي أسفل دركات الخطيئة».