للرجال.
فالتفضيل هو المزايا الجبلية التي تقتضي حاجة المرأة إلى الرجل في الذبّ عنها وحراستها لبقاء ذاتها ، كما قال عمرو بن كلثوم :
يقتن جيادنا ويقلن لستم |
|
بعولتنا إذا لم تمنعونا |
فهذا التفضيل ظهرت آثاره على مرّ العصور والأجيال ، فصار حقّا مكتسبا للرجال ، وهذه حجّة برهانية على كون الرجال قوّامين على النساء فإنّ حاجة النساء إلى الرجال من هذه الناحية مستمرّة وإن كانت تقوى وتضعف.
وقوله : (وَبِما أَنْفَقُوا) جيء بصيغة الماضي للإيماء إلى أنّ ذلك أمر قد تقرّر في المجتمعات الإنسانية منذ القدم ، فالرجال هم العائلون لنساء العائلة من أزواج وبنات. وأضيفت الأموال إلى ضمير الرجال لأنّ الاكتساب من شأن الرجال ، فقد كان في عصور البداوة بالصيد وبالغارة وبالغنائم والحرث ، وذلك من عمل الرجال ، وزاد اكتساب الرجال في عصور الحضارة بالغرس والتجارة والإجارة والأبنية ، ونحو ذلك ، وهذه حجّة خطابية لأنّها ترجع إلى مصطلح غالب البشر ، لا سيما العرب. ويندر أن تتولّى النساء مساعي من الاكتساب ، لكن ذلك نادر بالنسبة إلى عمل الرجل مثل استئجار الظئر نفسها وتنمية المرأة مالا ورثته من قرابتها.
ومن بديع الإعجاز صوغ قوله : (بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) في قالب صالح للمصدرية وللموصولية ، فالمصدرية مشعرة بأنّ القيامة سببها تفضيل من الله وإنفاق ، والموصولية مشعرة بأنّ سببها ما يعلمه الناس من فضل الرجال ومن إنفاقهم ليصلح الخطاب للفريقين : عالمهم وجاهلهم ، كقول السموأل أو الحارثي :
سلي إن جهلت الناس عنّا وعنهم |
|
فليس سواء عالم وجهول |
ولأنّ في الإتيان ب (بما) مع الفعل على تقدير احتمال المصدرية جزالة لا توجد في قولنا : بتفضيل الله وبالإنفاق ، لأنّ العرب يرجّحون الأفعال على الأسماء في طرق التعبير.
وقد روي في سبب نزول الآية : أنّها قول النساء ، ومنهن أمّ سلمة أمّ المؤمنين : «أتغزو الرجال ولا نغزو وإنّما لنا نصف الميراث» فنزل قوله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) [النساء : ٣٢] إلى هذه الآية ، فتكون هذه الآية إكمالا لما يرتبط