[٢٢٩] (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) إلخ. فخاطب (لكم) للأزواج ، وخطاب (فَإِنْ خِفْتُمْ) [البقرة : ٢٢٩] لولاة الأمور ، كما في «الكشّاف». قال : ومثل ذلك غير عزيز في القرآن وغيره. يريد أنّه من قبيل قوله تعالى في سورة الصفّ [١١ ـ ١٣] : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) إلى قوله : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) فإنّه جعل (وَبَشِّرِ) عطفا على (تُؤْمِنُونَ) أي فهو خطاب للجميع لكنّه لمّا كان لا يتأتّى إلّا من الرسول خصّ به. وبهذا التأويل أخذ عطاء إذ قال : لا يضرب الزوج امرأته ولكن يغضب عليها. قال ابن العربي : هذا من فقه عطاء وفهمه الشريعة ووقوفه على مظانّ الاجتهاد علم أنّ الأمر بالضرب هنا أمر إباحة ، ووقف على الكراهية من طريق أخرى كقول النبي صلىاللهعليهوسلم «ولن يضرب خياركم». وأنا أرى لعطاء نظرا أوسع ممّا رآه له ابن العربي : وهو أنّه وضع هاته الأشياء مواضعها بحسب القرائن ، ووافقه على ذلك جمع من العلماء ، قال ابن الفرس : وأنكروا الأحاديث المرويّة بالضرب. وأقول : أو تأوّلوها. والظاهر أنّ الإذن بالضرب لمراعاة أحوال دقيقة بين الزوجين فأذن للزوج بضرب امرأته ضرب إصلاح لقصد إقامة المعاشرة بينهما ؛ فإن تجاوز ما تقتضيه حالة نشوزها كان معتديا.
ولذلك يكون المعنى (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) أي تخافون سوء مغبّة نشوزهنّ ، ويقتضي ذلك بالنسبة لولاة الأمور أنّ النشوز رفع إليهم بشكاية الأزواج ، وأنّ إسناد (فَعِظُوهُنَ) على حقيقته ، وأمّا إسناد (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ) فعلى معنى إذن الأزواج بهجرانهنّ ، وإسناد (وَاضْرِبُوهُنَ) كما علمت.
وضمير المخاطب في قوله : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) يجري على التوزيع ، وكذلك ضمير (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً).
والحاصل أنّه لا يجوز الهجر والضرب بمجرّد توقّع النشوز قبل حصوله اتّفاقا ، وإذا كان المخاطب الأزواج كان إذنا لهم بمعاملة أزواجهم النواشز بواحدة من هذه الخصال الثلاث ، وكان الأزواج مؤتمنين على توخّي مواقع هذه الخصال بحسب قوّة النشوز وقدره في الفساد ، فأمّا الوعظ فلا حدّ له ، وأمّا الهجر فشرطه أن لا يخرج إلى حدّ الإضرار بما تجده المرأة من الكمد ، وقد قدّر بعضهم أقصاه بشهر.
وأمّا الضرب فهو خطير وتحديده عسير ، ولكنّه أذن فيه في حالة ظهور الفساد ؛ لأنّ المرأة اعتدت حينئذ ، ولكن يجب تعيين حدّ في ذلك ، يبيّن في الفقه ، لأنّه لو أطلق