والمتبادر في العطف بالواو ، قال سعيد بن جبير : يعظها ، فإن قبلت ، وإلّا هجرها ، فإن هي قبلت ، وإلّا ضربها ، ونقل مثله عن علي.
واعلم أنّ الواو هنا مراد بها التقسيم باعتبار أقسام النساء في النشوز.
وقوله : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) احتمال ضمير الخطاب فيه يجري على نحو ما تقدّم في ضمائر (تَخافُونَ) وما بعده ، والمراد الطاعة بعد النشوز ، أي إن رجعن عن النشوز إلى الطاعة المعروفة. ومعنى : (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) فلا تطلبوا طريقا لإجراء تلك الزواجر عليهنّ ، والخطاب صالح لكلّ من جعل له سبيل على الزوجات في حالة النشوز على ما تقدّم.
والسبيل حقيقته الطريق ، وأطلق هنا مجازا على التوسّل والتسبّب والتذرّع إلى أخذ الحقّ ، وسيجيء عند قوله تعالى : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) في سورة براءة [٩١] ، وانظر قوله الآتي (وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً).
و (عَلَيْهِنَ) متعلّق ب (سبيلا) لأنّه ضمّن معنى الحكم والسلطان ، كقوله تعالى : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) [التوبة : ٩١].
وقوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) تذييل للتهديد ، أي إنّ الله عليّ عليكم ، حاكم فيكم ، فهو يعدل بينكم ، وهو كبير ، أي قويّ قادر ، فبوصف العلوّ يتعيّن امتثال أمره ونهيه ، وبوصف القدرة يحذر بطشه عند عصيان أمره ونهيه.
ومعنى (تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) تخافون عواقبه السيّئة. فالمعنى أنّه قد حصل النشوز مع مخائل قصد العصيان والتصميم عليه لا مطلق المغاضبة أو عدم الامتثال ، فإنّ ذلك قلّما يخلو عنه حال الزوجين ، لأنّ المغاضبة والتعاصي يعرضان للنساء والرجال ، ويزولان ، وبذلك يبقى معنى الخوف على حقيقته من توقّع حصول ما يضرّ ، ويكون الأمر بالوعظ والهجر والضرب مراتب بمقدار الخوف من هذا النشوز والتباسه بالعدوان وسوء النية. والمخاطب بضمير (تَخافُونَ) إمّا الأزواج ، فتكون تعدية (خاف) إليه على أصل تعدية الفعل إلى مفعوله ، نحو (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ) [آل عمران : ١٧٥] ويكون إسناد (فَعِظُوهُنَّ ـ وَاهْجُرُوهُنَ) ـ (وَاضْرِبُوهُنَ) على حقيقته.
ويجوز أن يكون المخاطب مجموع من يصلح لهذا العمل من ولاة الأمور والأزواج ؛ فيتولّى كلّ فريق ما هو من شأنه ، وذلك نظير قوله تعالى في سورة البقرة