يخرجن إلى المساجد ودعوة المسلمين.
وقوله : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) هذه بعض الأحوال المضادّة للصلاح وهو النشوز ، أي الكراهية للزوج ، فقد يكون ذلك لسوء خلق المرأة ، وقد يكون لأنّ لها رغبة في التزوّج بآخر ، وقد يكون لقسوة في خلق الزوج ، وذلك كثير. والنشوز في اللغة الترفّع والنهوض ، وما يرجع إلى معنى الاضطراب والتباعد ، ومنه نشز الأرض ، وهو المرتفع منها.
قال جمهور الفقهاء : النشوز عصيان المرأة زوجها والترفّع عليه وإظهار كراهيته ، أي إظهار كراهية لم تكن معتادة منها ، أي بعد أن عاشرته ، كقوله : «وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا». وجعلوا الإذن بالموعظة والهجر والضرب مرتّبا على هذا العصيان ، واحتجّوا بما ورد في بعض الآثار من الإذن للزوج في ضرب زوجته الناشز ، وما ورد من الأخبار عن بعض الصحابة أنّهم فعلوا ذلك في غير ظهور الفاحشة. وعندي أنّ تلك الآثار والأخبار محمل الإباحة فيها أنّها قد روعي فيها عرف بعض الطبقات من الناس ، أو بعض القبائل ، فإنّ الناس متفاوتون في ذلك ، وأهل البدو منهم لا يعدّون ضرب المرأة اعتداء ، ولا تعدّه النساء أيضا اعتداء ، قال عامر بن الحارث النمري الملقّب بجران العود.
عمدت لعود فالتحيت جرانه |
|
وللكيس أمضى في الأمور وأنجح |
|
||
خذا حذرا يا خلّتيّ فإنّني |
|
رأيت جران العود قد كاد يصلح |
والتحيت : قشّرت ، أي قددت ، بمعنى : أنّه أخذ جلدا من باطن عنق بعير وعمله سوطا ليضرب به امرأتيه ، يهدّدهما بأنّ السوط قد جفّ وصلح لأن يضرب به.
وقد ثبت في «الصحيح» أنّ عمر بن الخطاب قال : (كنا معشر المهاجرين قوما نغلب نساءنا فإذا الأنصار قوم تغلبهم نساؤهم فأخذ نساؤنا يتأدّبن بأدب نساء الأنصار). فإذا كان الضرب مأذونا فيه للأزواج دون ولاة الأمور ، وكان سببه مجرّد العصيان والكراهية دون الفاحشة ، فلا جرم أنّه أذن فيه لقوم لا يعدّون صدوره من الأزواج إضرارا ولا عارا ولا بدعا من المعاملة في العائلة ، ولا تشعر نساؤهم بمقدار غضبهم إلّا بشيء من ذلك.
وقوله : (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَ) مقصود منه الترتيب كما يقتضيه ترتيب ذكرها مع ظهور أنّه لا يراد الجمع بين الثلاثة ، والترتيب هو الأصل