وشروطه تفصيل في كتب الفقه.
وتأوّلت طائفة قليلة هذه الآية على أنّ المقصود بعث حكمين للإصلاح بين الزوجين وتعيين وسائل الزجر للظالم منهما ، كقطع النفقة عن المرأة مدّة حتّى يصلح حالها ، وأنّه ليس للحكمين التطليق إلّا برضا الزوجين ، فيصيران وكيلين ، وبذلك قال أبو حنيفة ، وهو قول للشافعي ، فيريد أنّهما بمنزلة الوكيل الذي يقيمه القاضي عن الغائب. وهذا صرف للفظ الحكمين عن ظاهره ، فهو من التأويل. والباعث على تأويله عند أبي حنيفة : أنّ الأصل أنّ التطليق بيد الزوج ، فلو رأى الحكمان التطليق عليه وهو كاره كان ذلك مخالفة لدليل الأصل فاقتضى تأويل معنى الحكمين ، وهذا تأويل بعيد ؛ لأنّ التطليق لا يطّرد كونه بيد الزوج ؛ فإنّ القاضي يطلّق عند وجود سبب يقتضيه.
وقوله تعالى : (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً) الظاهر أنّه عائد إلى الحكمين لأنّهما المسوق لهما الكلام ، واقتصر على إرادة الإصلاح لأنّها التي يجب أن تكون المقصد لولاة الأمور والحكمين ، فواجب الحكمين أن ينظرا في أمر الزوجين نظرا منبعثا عن نية الإصلاح ، فإن تيسّر الإصلاح فذلك وإلّا صارا إلى التفريق ، وقد وعدهما الله بأن يوفّق بينهما إذا نويا الإصلاح ، ومعنى التوفيق بينهما إرشادهما إلى مصادفة الحقّ والواقع ، فإنّ الاتّفاق أطمن لهما في حكمهما بخلاف الاختلاف ، وليس في الآية ما يدلّ على أنّ الله قصر الحكمين على إرادة الإصلاح حتّى يكون سندا لتأويل أبي حنيفة أنّ الحكمين رسولان للإصلاح لا للتفريق ، لأنّ الله تعالى ما زاد على أن أخبر بأنّ نية الإصلاح تكون سببا في التوفيق بينهما في حكمهما ، ولو فهم أحد غير هذا المعنى لكان متطوّحا عن مفاد التركيب.
وقيل : الضمير عائد على الزوجين ، وهذا تأويل من قالوا : إنّ الحكمين يبعثهما الزوجان وكيلين عنهما ، أي إن يرد الزوجان من بعث الحكمين إصلاح أمرهما يوفّق الله بينهما ، بمعنى تيسير عود معاشرتهما إلى أحسن حالها. وليس فيها على هذا التأويل أيضا حجّة على قصر الحكمين على السعي في الجمع بين الزوجين دون التفريق : لأنّ الشرط لم يدلّ إلّا على أنّ إرادة الزوجين الإصلاح تحقّقه ، وإرادتهما الشقاق والشغب تزيدهما ، وأين هذا من تعيين خطّة الحكمين في نظر الشرع.
وهذه الآية أصل في جواز التحكيم في سائر الحقوق ، ومسألة التحكيم مذكورة في الفقه.