(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) [النساء : ٤].
والحكم ـ بفتحتين ـ الحاكم الذي يرضى للحكومة بغير ولاية سابقة ، وهو صفة مشبّهة مشتقّة من قولهم : حكّموه فحكم ، وهو اسم قديم في العربية ، كانوا لا ينصبون القضاة ، ولا يتحاكمون إلّا إلى السيف ، ولكنّهم قد يرضون بأحد عقلائهم يجعلونه حكما في بعض حوادثهم ، وقد تحاكم عامر بن الطّفيل وعلقمة بن علاثة لدى هرم بن سنان العبسي ، وهي المحاكمة التي ذكرها الأعشى في قصيدته الرائية القائل فيها :
علقم ما أنت إلى عامر |
|
الناقض الأوتار والواتر |
وتحاكم أبناء نزار بن معدّ بن عدنان إلى الأفعى الجرهمي ، كما تقدّم في هذه السورة.
والضميران في قوله : (مِنْ أَهْلِهِ) ـ و (مِنْ أَهْلِها) عائدان على مفهومين من الكلام : وهما الزوج والزوجة ، واشترط في الحكمين أن يكون أحدهما من أهل الرجل والآخر من أهل المرأة ليكونا أعلم بدخلية أمرهما وأبصر في شأن ما يرجى من حالهما ، ومعلوم أنّه يشترط فيهما الصفات التي تخوّلهما الحكم في الخلاف بين الزوجين. قال ملك : إذا تعذّر وجود حكمين من أهلهما فيبعث من الأجانب ، قال ابن الفرس : «فإذا بعث الحاكم أجنبيّين مع وجود الأهل فيشبه أن يقال ينتقض الحكم لمخالفة النصّ ، ويشبه أن يقال ماض بمنزلة ما لو تحاكموا إليهما». قلت : والوجه الأوّل أظهر. وعند الشافعية كونهما من أهلهما مستحبّ فلو بعثا من الأجانب مع وجود الأقارب صحّ.
والآية دالّة على وجوب بعث الحكمين عند نزاع الزوجين النزاع المستمرّ المعبّر عنه بالشقاق ، وظاهرها أنّ الباعث هو الحاكم ووليّ الأمر ، لا الزوجان ، لأنّ فعل (فَابْعَثُوا) مؤذن بتوجيههما إلى الزوجين ، فلو كانا معيّنين من الزوجين لما كان لفعل البعث معنى. وصريح الآية : أنّ المبعوثين حكمان لا وكيلان ، وبذلك قال أئمّة العلماء من الصحابة والتابعين. وقضى به عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفّان ، وعلي بن أبي طالب ، وقاله ابن عباس ، والنخعي ، والشعبي ، ومالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق. وعلى قول جمهور العلماء فما قضى به الحكمان من فرقة أو بقاء أو مخالعة يمضي ، ولا مقال للزوجين في ذلك لأنّ ذلك معنى التحكيم ، نعم لا يمنع هؤلاء من أن يوكّل الزوجان رجلين على النظر في شئونهما ، ولا من أن يحكّما حكمين على نحو تحكيم القاضي. وخالف في ذلك ربيعة فقال : لا يحكم إلّا القاضي دون الزوجين ، وفي كيفية حكمهما