الذات ، فيكون المعنى أنّهم يصيرون ترابا مثل الأرض لظهور أن لا يقصد أن تصير الأرض ناسا ، فيكون المعنى على هذا هو معنى قوله تعالى : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [النبأ : ٤٠]. وهذا تفسير الجمهور ، وعلى هذا فالكلام إطناب ، قصد من إطنابه سلوك طريقة الكناية عن صيرورتهم ترابا بالكناية المطلوب بها نسبة ، كقولهم : المجد بين ثوبيه ، وقول زياد الأعجم :
إنّ السّماحة والمروءة والنّدى |
|
في قبّة ضربت على ابن الحشرج |
أي أنّه سمح ذو مروءة كريم ؛ ويحتمل أن تكون مماثلة في المقدار ، فقيل : يودّون أنّهم لم يبعثوا وبقوا مستوين مع الأرض في بطنها ، وقيل : يودّون أن يدفنوا حينئذ كما كانوا قبل البعث.
والأظهر عندي : أنّ المعنى التسوية في البروز والظهور ، أي أن ترتفع الأرض فتسوّى في الارتفاع بأجسادهم ، فلا يظهروا ، وذلك كناية عن شدّة خوفهم وذلّهم ، فينقبضون ويتضاءلون حتّى يؤدّوا أن يصيروا غير ظاهرين على الأرض ، كما وصف أحد الأعراب يهجو قوما من طيّئ أنشده المبرّد في الكامل :
إذا ما قيل أيّهم لأيّ |
|
تشابهت المناكب والرّءوس |
وهذا أحسن في معنى الآية وأنسب بالكناية.
وجملة (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) يجوز أن تكون مستأنفة والواو عاطفة لها على جملة (يَوَدُّ) ؛ ويجوز أن تكون حالية ، أي يودّون لو تسوّى بهم الأرض في حال عدم كتمانهم ، فكأنّهم لمّا رأوا استشهاد الرسل ، ورأوا جزاء المشهود عليهم من الأمم السالفة ، ورأوا عاقبة كذب المرسل إليهم حتّى احتيج إلى إشهاد رسلهم ، علموا أنّ النّوبة مفضية إليهم ، وخامرهم أن يكتموا الله أمرهم إذا سألهم الله ، ولم تساعدهم نفوسهم على الاعتراف بالصدق ، لما رأوا من عواقب ثبوت الكفر ، من شدّة هلعهم ، فوقعوا بين المقتضي والمانع ، فتمنّوا أن يخفوا ولا يظهروا حتّى لا يسألوا فلا يضطرّوا إلى الاعتراف الموبق ولا إلى الكتمان المهلك.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ