فيشهد محمّد صلىاللهعليهوسلم بصدقه ، إذ ليس يلزم أن يكون ذلك المقصود من هذه الآية.
وذكر متعلّق (شَهِيداً) الثاني مجرورا بعلى لتهديد الكافرين بأنّ الشهادة تكون عليهم ، لأنّهم المقصود من اسم الإشارة.
وفي «صحيح البخاري» : أنّ عبد الله بن مسعود قال : قال لي النبي صلىاللهعليهوسلم «اقرأ عليّ القرآن ، قلت : أقرأه عليك وعليك أنزل ، قال : إني أحبّ أن أسمعه من غيري» فقرأت عليه سورة النساء ، حتّى إذا بلغت (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) ، قال : أمسك فإذا عيناه تذرفان. وكما قلت : إنه أوجز في التعبير عن تلك الحال في لفظ كيف فكذلك أقول هنا : لا فعل أجمع دلالة على مجموع الشعور عند هذه الحالة من بكاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنّه دلالة على شعور مجتمع فيه دلائل عظيمة : وهي المسرّة بتشريف الله إيّاه في ذلك المشهد العظيم ، وتصديق المؤمنين إيّاه في التبليغ ، ورؤية الخيرات التي أنجزت لهم بواسطته ، والأسف على ما لحق بقية أمّته من العذاب على تكذيبه ، ومشاهدة ندمهم على معصيته ، والبكاء ترجمان رحمة ومسرّة وأسف وبهجة.
وقوله : (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية استئناف بياني ، لأنّ السامع يتساءل عن الحالة المبهمة المدلولة لقوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) ويتطلّب بيانها ، فجاءت هذه الجملة مبيّنة لبعض تلك الحالة العجيبة ، وهو حال الذين كفروا حين يرون بوارق الشرّ : من شهادة شهداء الأمم على مؤمنهم وكافرهم ، ويوقنون بأنّ المشهود عليهم بالكفر مأخوذون إلى العذاب ، فينالهم من الخوف ما يودّون منه لو تسّوى بهم الأرض
وجملة (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) بيان لجملة يودّ أي يودّون ودّا يبيّنه قوله : (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) ، ولكون مضمونها أفاد معنى الشيء المودود صارت الجملة الشرطية بمنزلة مفعول (يَوَدُّ) ، فصار فعلها بمنزلة المصدر ، وصارت لو بمنزلة حرف المصدر ، وقد تقدّم بيانه عند قوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) في سورة البقرة [٩٦].
وقوله : (تُسَوَّى) قرأه نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر ـ بفتح التاء وتشديد السين ـ فهو مضارع تسوّى الذي هو مطاوع سوّاه إذا جعله سواء لشيء آخر ؛ أي مماثلا ، لأنّ السواء المثل فأدغمت إحدى التاءين في السين ؛ وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف ـ بفتح التاء وتخفيف السين ـ على معنى القراءة السابقة لكن بحذف إحدى التاءين للتخفيف ؛ وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، ويعقوب (تُسَوَّى) ـ بضمّ التاء وتخفيف السين ـ مبنيّا للمجهول ، أي تماثل. والمماثلة المستفادة من التسوية تحتمل أن تكون مماثلة في