بقوله : (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) للاهتمام وهو جار على استعمال قليل ، كقول موسى بن جابر الحنفي ـ أموي ـ :
لا أشتهي يا قوم إلّا كارها |
|
باب الأمير ولا دفاع الحاجب |
وقوله : (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) غاية للنهي عن الصلاة إذا كانوا جنبا ، فهو تشريع للغسل من الجنابة وإيجاب له ، لأنّ وجوب الصلاة لا يسقط بحال ، فلمّا نهوا عن اقترابها بدون الغسل علم من ذلك فرض الغسل. والحكمة في مشروعية الغسل النظافة ، ونيط ذلك بأداء الصلاة ليكون المصلّي في حالة كمال الجسد ، كما كان حينئذ في حال كمال الباطن بالمناجاة والخضوع. ومن أبدع الحكم الشرعية أنّها لم تنط وجوب التنظّف بحال الوسخ لأنّ مقدار الحال من الوسخ الذي يستدعي الاغتسال والتنظف ممّا تختلف فيه مدارك البشر في عوائدهم وأحوالهم ، فنيط وجوب الغسل بحالة لا تنفكّ عن القوة البشرية في مدّة متعارف أعمار البشر ، وهي حالة دفع فواضل القوة البشرية ، وحيث كان بين تلك الحالة وبين شدّة القوّة تناسب تامّ ، إذ بمقدار القوة تندفع فضلاتها ، وكان أيضا بين شدّة القوة وبين ظهور الفضلات على ظاهر البدن المعبّر عنها بالوسخ تناسب تامّ ، كان نوط الاغتسال بالجنابة إناطة بوصف ظاهر منضبط فجعل هو العلّة أو السبب ، وكان مع ذلك محصّلا للمناسبة المقتضية للتشريع ، وهي إزالة الأوساخ عند بلوغها مقدارا يناسب أن يزال مع جعل ذلك مرتبطا بأعظم عبادة وهي الصلاة ، فصارت الطهارة عبادة كذلك ، وكذلك القول في مشروعية الوضوء ، على أنّ في الاغتسال من الجنابة حكمة أخرى ، وهي تجديد نشاط المجموع العصبي الذي يعتريه فتور باستفراغ القوة المأخوذة من زبد الدم ، حسبما تفطّن لذلك الأطباء فقضيت بهذا الانضباط حكم عظيمة.
ودلّ إسناد الاغتسال إلى الذوات في قوله : (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) على أنّ الاغتسال هو إحاطة البدن بالماء ، وهذا متّفق عليه ، واختلف في وجوب الدلك أي إمرار اليد على أجزاء البدن : فشرطه مالك ـ رحمهالله ـ بناء على أنّه المعروف من معنى الغسل في «لسان العرب» ، ولأنّ الوضوء لا يجزئ بدون ذلك باتّفاق ، فكذلك الغسل.
وقال جمهور العلماء : يجزئ في الغسل إحاطة البدن بالماء بالصبّ أو الانغماس ؛ واحتجّوا بحديث ميمونة وعائشة رضياللهعنهما في غسل النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه أفاض الماء على جسده ، ولا حجّة فيه لأنّهما لم تذكرا أنّه لم يتدلّك ، ولكنّهما سكتتا عنه ، فيجوز أن يكون سكوتهما لعلمهما بأنّه المتبادر ، وهذا أيضا رواية عن مالك رواها عنه أبو الفرج ، ومروان