أصحاب هذا المحمل باق على إطلاقه لا تقييد فيه ، وأمّا عند الجمهور الذين حملوا الآية على ظاهرها في معنى تقربوا الصلاة ، وفي معنى عابري السبيل فلا تظهر له فائدة ، للاستغناء عنه بقوله بعده (أَوْ عَلى سَفَرٍ) ولأنّ في عموم الحصر تخصيصا ، فالذي يظهر لي أنّه إنّما قدّم هنا لأنّه غالب الأحوال التي تحول بين المرء وبين الاغتسال من جهة حاجة المسافر استبقاء الماء. ولندور عروض المرض. والاستثناء على محمل الجمهور يحتمل أن يكون متّصلا عند من يرى المتيمّم جنبا ، ويرى التيمّم غير رافع للحدث ، ولكنّه مبيح للصلاة للضرورة في الوقت ، وهذا قول الشافعي ، فهو عنده بدل ضروري يقدّر بقدر الضرورة ، ودليله ظاهر الاستثناء ، ويحتمل أن يكون منقطعا عند من يرى المتيمّم غير جنب ، ويرى التيمّم رافعا للحدث حتّى ينتقض بناقض ويزول سببه. وهذا قول أبي حنيفة ، فلذلك إذا تيمّم الجنب وصلّى وصار منه حدث ناقض للوضوء يتوضّأ لأنّ تيمّمه بدل عن الغسل مطلقا ، وهذا هو الظاهر بحسب المعنى وليس في السنّة ما يقتضي خلافه. وعن مالك في ذلك قولان : فالمشهور من رواية ابن القاسم أنّ التيمّم مبيح للصلاة وليس رافعا للحدث ، فلذلك لا يصلّي المتيمّم به إلّا فرضا واحدا ، ولو تيمّم لجنابة لعذر يمنع من الغسل وانتقض وضوءه تيمّم عن الوضوء. وعن مالك ، في رواية البغداديين : أنّ المريض الذي لا يقدر على مسّ الماء يتيمّم ويصلّي أكثر من صلاة ، حتّى ينتقض تيمّمه بناقض الوضوء ، وكذلك فيمن ذكر فوائت يصلّيها بتيمّم واحد ، فعلى هذا ليس تجديد التيمّم لغيرهما إلّا لأنّه لا يدري لعلّه يجد الماء فكانت نيّة التيمّم غير جازمة في بقائه ، ولم ينقل عن مالك قول بأنّ المتيمّم للجنابة بعذر مانع من الغسل إذا انتقض وضوءه يتوضأ.
وفي مفهوم هذا الاستثناء ، عند القائلين بالمفاهيم من الجمهور ، على هذا المحمل تفصيل. فعابر السبيل مطلق قيده قوله : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) وبقي عموم قوله (وَلا جُنُباً) في غير عابر السبيل ، لأنّ العامّ المخصوص يبقى عامّا فيما عدا ما خصّص ، فخصّصه الشرط تخصيصا ثانيا في قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى). ثم إن كان قد تقرّر عند المسلمين أنّ الصلاة تقع بدون طهارة يبق قوله : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) مجملا لأنّهم يترقّبون بيان الحكم في قربان الصلاة على غير طهارة للمسافر ، فيكون في قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) بيان لهذا الإجمال ، وإن كان ذلك لم يخطر ببالهم فلا إجمال ، ويكون قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) استئنافا لأحكام التيمّم.
وتقديم المستثنى في قوله : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) قبل تمام الكلام المقصود قصره