المأخوذ ، والطيّب هو المتروك.
والخبيث والطيّب أريد بهما الوصف المعنوي دون الحسي ، وهما استعارتان ؛ فالخبيث المذموم أو الحرام ، والطيّب عكسه وهو الحلال : وتقدّم في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) في البقرة [١٦٨]. فالمعنى : ولا تكسبوا المال الحرام وتتركوا الحلال أي لو اهتممتم بإنتاج أموالكم وتوفيرها بالعمل والتجر لكان لكم من خلالها ما فيه غنية عن الحرام ، فالمنهي عنه هنا هو ضدّ المأمور به من قبل تأكيدا للأمر ، ولكنّ النهي بيّن ما فيه من الشناعة إذا لم يمتثل الأمر ، وهذا الوجه ينبئ عن جعل التبدّل مجازا والخبيث والطيّب كذلك ، ولا ينبغي حمل الآية على غير هذا المعنى وهذا الاستعمال. وعن السديّ ما يقتضي خلاف هذا المعنى وهو غير مرضي.
وقوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) نهي ثالث عن أخذ أموال اليتامى وضمّها إلى أموال أوليائهم ، فينتسق في الآية أمر ونهيان : أمروا أن لا يمنعوا اليتامى من مواريثهم ثم نهوا عن اكتساب الحرام ، ثم نهوا عن الاستيلاء على أموالهم أو بعضها ، والنهي والأمر الأخير تأكيدان للأمر الأول.
والأكل استعارة للانتفاع المانع من انتفاع الغير وهو الملك التامّ ، لأنّ الأكل هو أقوى أحوال الاختصاص بالشيء لأنّه يحرزه في داخل جسده ، ولا مطمع في إرجاعه ، وضمّن (تَأْكُلُوا) معنى تضمّوا فلذلك عدي بإلى أي : لا تأكلوها بأن تضمّوها إلى أموالكم.
وليس قيد (إِلى أَمْوالِكُمْ) محطّ النهي ، بل النهي واقع على أكل أموالهم مطلقا سواء كان للآكل مال يضمّ إليه مال يتيمه أم لم يكن ، ولكن لمّا كان الغالب وجود أموال للأوصياء ، وأنّهم يريدون من أكل أموال اليتامى التكثّر ، ذكر هذا القيد رعيا للغالب ، ولأنّه أدخل في النهي لما فيه من التشنيع عليهم حيث يأكلون حقوق الناس مع أنّهم أغنياء ؛ على أنّ التضمين ليس من التقييد بل هو قائم مقام نهيين ، ولذلك روي : أنّ المسلمين تجنّبوا بعد هذه الآية مخالطة أموال اليتامى فنزلت آية البقرة [٢٢٠] : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) فقد فهموا أنّ ضمّ مال اليتيم إلى مال الوصيّ حرام ، مع علمهم بأنّ ذلك ليس مشمولا للنهي عن الأكل ولكن للنهي عن الضمّ. وهما في فهم العرب نهيان ، وليس هو نهيا عن أكل الأغنياء أموال اليتامى حتى يكون النهي عن أكل الفقراء ثابتا بالقياس لا بمفهوم الموافقة إذ ليس الأدون بصالح لأن يكون مفهوم موافقة.
والحوب ـ بضمّ الحاء ـ لغة الحجاز ، و ـ بفتحها ـ لغة تميم ، وقيل : هي حبشية ،