ممّا تحت وجه الأرض غلوّا في تحقيق طهارته.
وقد شرع بهذه الآية حكم التيمّم أو قرّر شرعه السابق في سورة المائدة على الأصحّ ، وكان شرع التيمم سنة ستّ في غزوة المريسيع ، وسبب شرعه ما في «الصحيح» عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله في بعض أسفاره حتى إذا كنّا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا : ألا ترى إلى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر ورسول الله واضع رأسه على فخذي قد نام ، فقال : حبست رسول الله والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء ، فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعنني بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرّك إلا مكان رسول الله على فخذي ، فقام رسول الله حين أصبح على غير ماء ، فأنزل الله تعالى آية التيمّم. فقال أسيد بن الحضير : ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر ، فو الله ما نزل بك أمر تكرهينه إلّا جعل الله ذلك وللمسلمين فيه خيرا. قالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه فأصبنا العقد تحته.
والتيمّم من خصائص شريعة الإسلام كما في حديث جابر أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي ـ فذكر منها ـ وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا».
والتيمّم بدل جعله الشرع عن الطهارة ، ولم أر لأحد من العلماء بيانا في حكمة جعل التيمّم عوضا عن الطهارة بالماء وكان ذلك من همّي زمنا طويلا وقت الطلب ثم انفتح لي حكمة ذلك.
وأحسب أنّ حكمة تشريعه تقرير لزوم الطهارة في نفوس المؤمنين ، وتقرير حرمة الصلاة ، وترفيع شأنها في نفوسهم ، فلم تترك لهم حالة يعدّون فيها أنفسهم مصلّين بدون طهارة تعظيما لمناجاة الله تعالى ، فلذلك شرع لهم عملا يشبه الإيماء إلى الطهارة ليستشعروا أنفسهم متطهّرين ، وجعل ذلك بمباشرة اليدين صعيد الأرض التي هي منبع الماء ، ولأنّ التراب مستعمل في تطهير الآنية ونحوها ، ينظّفون به ما علق لهم من الأقذار في ثيابهم وأبدانهم وما عونهم ، وما الاستجمار إلّا ضرب من ذلك ، مع ما في ذلك من تجديد طلب الماء لفاقده وتذكيره بأنّه مطالب به عند زوال مانعه ، وإذ قد كان التيمّم طهارة رمزية اقتنعت الشريعة فيه بالوجه والكفين في الطهارتين الصغرى والكبرى ، كما دلّ عليه حديث عمّار بن ياسر ، ويؤيّد هذا المقصد أنّ المسلمين لما عدموا الماء في غزوة