وجملة (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) [النساء : ٤٥] تذييل لتطمئنّ نفوس المؤمنين بنصر الله ، لأنّ الإخبار عن اليهود بأنّهم يريدون ضلال المسلمين ، وأنّهم أعداء للمسلمين ، من شأنه أن يلقي الروع في قلوب المسلمين ، إذ كان اليهود المحاورون للمسلمين ذوي عدد وعدد ، وبيدهم الأموال ، وهم مبثوثون في المدينة وما حولها : من قينقاع وقريظة والنضير وخيبر ، فعداوتهم ، وسوء نواياهم ، ليسا بالأمر الذي يستهان به ؛ فكان قوله : (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) مناسبا لقوله : (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) ، أي إذا كانوا مضمرين لكم السوء فالله وليّكم يهديكم ويتولّى أموركم شأن الوليّ مع مولاه ، وكان قوله : (وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) مناسبا لقوله : (بِأَعْدائِكُمْ) ، أي فالله ينصركم.
وفعل (كَفى) في قوله : (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) مستعمل في تقوية اتّصاف فاعله بوصف يدلّ عليه التمييز المذكور بعده ، أي أنّ فاعل (كَفى) أجدر من يتّصف بذلك الوصف ، ولأجل الدلالة على هذا غلب في الكلام إدخال باء على فاعل فعل كفى ، وهي باء زائدة لتوكيد الكفاية ، بحيث يحصل إبهام يشوّق السامع إلى معرفة تفصيله ، فيأتون باسم يميّز نوع تلك النسبة ليتمكّن المعنى في ذهن السامع.
وقد يجيء فاعل (كَفى) غير مجرور بالباء ، كقول عبد بني الحسحاس :
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
وجعل الزجّاج الباء هنا غير زائدة وقال : ضمّن فعل كفى معنى اكتف ، واستحسنه ابن هشام.
وشذّت زيادة الباء في المفعول ، كقول كعب بن مالك أو حسّان بن ثابت :
فكفى بنا فضلا على من غيرنا |
|
حبّ النبي محمّد إيّانا |
وجزم الواحدي في شرح قول المتنبّي :
كفى بجسمي نحولا أنّني رجل |
|
لو لا مخاطبتي إيّاك لم ترني |
بأنه شذوذ.
ولا تزاد الباء في فاعل (كَفى) بمعنى أجزأ ، ولا التي بمعنى وقّى ، فرقا بين استعمال كفى المجازي واستعمالها الحقيقي الذي هو معنى الاكتفاء بذات الشيء نحو :
كفاني ولم أطلب قليل من المال