الأمر شيء. ولمّا أمر الله بطاعة أولي الأمر علمنا أنّ أولي الأمر في نظر الشريعة طائفة معيّنة ، وهم قدوة الأمّة وأمناؤها ، فعلمنا أنّ تلك الصفة تثبت لهم بطرق شرعية إذ أمور الإسلام لا تخرج عن الدائرة الشرعية ، وطريق ثبوت هذه الصفة لهم إمّا الولاية المسندة إليهم من الخليفة ونحوه ، أو من جماعات المسلمين إذا لم يكن لهم سلطان ، وإمّا صفات الكمال التي تجعلهم محلّ اقتداء الأمّة بهم وهي الإسلام والعلم والعدالة. فأهل العلم العدول : من أولي الأمر بذاتهم لأنّ صفة العلم لا تحتاج إلى ولاية ، بل هي صفة قائمة بأربابها الذين اشتهروا بين الأمّة بها ، لما جرب من علمهم وإتقانهم في الفتوى والتعليم. قال مالك : «أولو الأمر : أهل القرآن والعلم» يعني أهل العلم بالقرآن والاجتهاد ، فأولو الأمر هنا هم من عدا الرسول من الخليفة إلى والي الحسبة ، ومن قواد الجيوش ومن فقهاء الصحابة والمجتهدين إلى أهل العلم في الأزمنة المتأخّرة ، وأولو الأمر هم الذين يطلق عليهم أيضا أهل الحلّ والعقد.
وإنّما أمر بذلك بعد الأمر بالعدل وأداء الأمانة لأنّ هذين الأمرين قوام نظام الأمّة وهو تناصح الأمراء والرعية وانبثاث الثقة بينهم.
ولمّا كانت الحوادث لا تخلو من حدوث الخلاف بين الرعيّة ، وبينهم وبين ولاة أمورهم ، أرشدهم الله إلى طريقة فصل الخلاف بالردّ إلى الله وإلى الرسول. ومعنى الردّ إلى الله الردّ إلى كتابه ، كما دلّ على ذلك قوله في نظيره (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ) [المائدة : ١٠٤].
ومعنى الردّ إلى الرسول إنهاء الأمور إليه في حياته وحضرته ، كما دلّ عليه قوله في نظيره (إِلَى الرَّسُولِ) [النساء : ٨٣] فأمّا بعد وفاته أو في غيبته ، فالردّ إليه الرجوع إلى أقواله وأفعاله ، والاحتذاء بسنّته. روى أبو داود عن أبي رافع عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «لا ألفينّ أحدكم متّكئا على أريكته يأتيه الأمر ممّا أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ، ما وجدنا في كتاب الله اتّبعناه». وفي روايته عن العرباض ابن سارية أنه سمع رسول الله يخطب يقول : «أيحسب أحدكم وهو متّكئ على أريكته وقد يظنّ أنّ الله لم يحرّم شيئا إلّا ما في هذا القرآن ألا وإنّي والله قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء إنّها لمثل القرآن أو أكثر» ، وأخرجه الترمذي من حديث المقدام. وعرض الحوادث على مقياس تصرّفاته والصريح من سنّته.
والتنازع : شدّة الاختلاف ، وهو تفاعل من النزع ، أي الأخذ ، قال الأعشى :