نازعتهم قضب الريحان متّكئا |
|
وقهوة مزة راووقها خضل |
فأطلق التنازع على الاختلاف الشديد على طريق الاستعارة ، لأنّ الاختلاف الشديد يشبه التجاذب بين شخصين ، وغلب ذلك حتّى ساوى الحقيقة ، قال الله تعالى : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا) [الأنفال : ٤٦] (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى) [طه : ٦٢].
وضمير (تَنازَعْتُمْ) راجع للذين آمنوا فيشمل كلّ من يمكن بينهم التنازع ، وهم من عدا الرسول ، إذ لا ينازعه المؤمنون ، فشمل تنازع العموم بعضهم مع بعض ، وشمل تنازع ولاة الأمور بعضهم مع بعض ، كتنازع الوزراء مع الأمير أو بعضهم مع بعض ، وشمل تنازع الرعية مع ولاة أمورهم ، وشمل تنازع العلماء بعضهم مع بعض في شئون علم الدين. وإذا نظرنا إلى ما ذكر في سبب النزول نجد المراد ابتداء هو الخلاف بين الأمراء والأمّة ، ولذلك نجد المفسّرين قد فسّروه ببعض صور من هذه الصور ، فليس مقصدهم قصر الآية على ما فسّروا به ، وأحسن عباراتهم في هذا قول الطبري : «يعني فإن اختلفتم أيّها المؤمنون أنتم فيما بينكم أو أنتم وأولو أمركم فيه». وعن مجاهد : فإن تنازع العلماء ردّوه إلى الله».
ولفظ (شيء) نكرة متوغّلة في الإبهام فهو في حيّز الشرط يفيد العموم ، أي في كلّ شيء ، فيصدق بالتنازع في الخصومة على الحقوق ، ويصدق بالتنازع في اختلاف الآراء عند المشاورة أو عند مباشرة عمل ما ، كتنازع ولاة الأمور في إجراء أحوال الأمّة. ولقد حسّن موقع كلمة (شيء) هنا تعميم الحوادث وأنواع الاختلاف ، فكان من المواقع الرشيقة في تقسيم عبد القاهر ، وقد تقدّم تحقيق مواقع لفظ شيء عند قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) في سورة البقرة [١٥٥].
والردّ هنا مجاز في التحاكم إلى الحاكم وفي تحكيم ذي الرأي عند اختلاف الآراء. وحقيقته إرجاع الشيء إلى صاحبه مثل العارية والمغصوب ، ثم أطلق على التخلّي عن الانتصاف بتفويض الحكم إلى الحاكم ، وعن عدم تصويب الرأي بتفويض تصويبه إلى الغير ، إطلاقا على طريق الاستعارة ، وغلب هذا الإطلاق في الكلام حتّى ساوى الحقيقة.
وعموم لفظ شيء في سياق الشرط يقتضي عموم الأمر بالردّ إلى الله والرسول ؛ وعموم أحوال التنازع ، تبعا لعموم الأشياء المتنازع فيها ، فمن ذلك الخصومات والدعاوي في الحقوق ، وهو المتبادر من الآية بادئ بدء بقرينة قوله عقبه «ألم تر إلى الذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت» فإنّ هذا