كالمقدّمة لذلك فأشبه سبب نزول ، ولذلك كان هو المتبادر وهو لا يمنع من عموم العامّ ، ومن ذلك التنازع في طرق تنفيذ الأوامر العامّة ، كما يحصل بين أفراد الجيوش وبين بعض قوادهم. وقد قيل : إنّ الآية نزلت في نزاع حدث بين أمير سرية الأنصار عبد الله بن حذافة السهمي كما سيأتي ، ومن ذلك الاختلاف بين أهل الحلّ والعقد في شئون مصالح المسلمين ، وما يرومون حمل الناس عليه.
ومن ذلك اختلاف أهل العلم في الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد والنظر في أدلة الشريعة.
فكلّ هذا الاختلاف والتنازع مأمور أصحابه بردّ أمره إلى الله والرسول. وردّ كلّ نوع من ذلك يتعيّن أن يكون بحيث يرجى معه زوال الاختلاف ، وذلك ببذل الجهد والوسع في الوصول إلى الحقّ الجليّ في تلك الأحوال. فما روي عن مجاهد وميمون بن مهران في تفسير التنازع بتنازع أهل العلم إنّما هو تنبيه على الفرد الأخفى من أفراد العموم ، وليس تخصيصا للعموم.
وذكر الردّ إلى الله في هذا مقصود منه مراقبة الله تعالى في طلب انجلاء الحقّ في مواقع النزاع ، تعظيما لله تعالى ، فإنّ الردّ إلى الرسول يحصل به الردّ إلى الله ، إذ الرسول هو المنبئ عن مراد الله تعالى ، فذكر اسم الله هنا هو بمنزلة ذكره في قوله : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) [الأنفال : ٤١] الآية.
ثمّ الردّ إلى الرسول في حياة الرسول وحضوره ظاهر وهو المتبادر من الآية ، وأمّا الردّ إليه في غيبته أو بعد وفاته ، فبالتحاكم إلى الحكّام الذين أقامهم الرسول أو أمّرهم بالتعيين ، وإلى الحكّام الذين نصبهم ولاة الأمور للحكم بين الناس بالشريعة ممّن يظنّ به العلم بوجوه الشريعة وتصاريفها ، فإنّ تعيين صفات الحكّام وشروطهم وطرق توليتهم ، فيما ورد عن الرسول من أدلّة صفات الحكّام ، يقوم مقام تعيين أشخاصهم ، وبالتأمّل في تصرّفاته وسنّته ثم الصدر على ما يتبيّن للمتأمّل من حال يظنّها هي مراد الرسول لو سئل عنها في جميع أحوال النزاع في فهم الشريعة واستنباط أحكامها المسكوت عنها من الرسول ، أو المجهول قوله فيها.
وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) تحريض وتحذير معا ، لأنّ الإيمان بالله واليوم الآخر ووازعان يزعان عن مخالفة الشرع ، والتعريض بمصالح الأمّة للتلاشي ، وعن الأخذ بالحظوظ العاجلة مع العلم بأنّها لا ترضي الله وتضرّ الأمة ، فلا جرم أن يكون دأب