الأصلية لما عليه الناس قبل الإسلام مع إبطال ما لا يرضاه الدين كالزيادة على الأربع ، وكنكاح المقت ، والمحرّمات من الرضاعة ، والأمر بأن لا يخلوه عن الصداق ، ونحو ذلك.
وقوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) أحوال من (طابَ) ولا يجوز كونها أحوالا من النساء لأنّ النساء أريد به الجنس كلّه لأن (من) إمّا تبعيضية أو بيانية وكلاهما تقتضي بقاء البيان على عمومه ، ليصلح للتبعيض وشبهه ، والمعنى : أنّ الله وسّع عليكم فلكم في نكاح غير أولئك اليتامى مندوحة عن نكاحهنّ مع الإضرار بهنّ في الصداق ، وفي هذا إدماج لحكم شرعي آخر في خلال حكم القسط لليتامى إلى قوله : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا).
وصيغة مفعل وفعال في أسماء الأعداد من واحد إلى أربعة ، وقيل إلى ستة وقيل إلى عشرة ، وهو الأصح ، وهو مذهب الكوفيّين ، وصحّحه المعرّي في «شرح ديوان المتنبيّ» عند قول أبي الطّيب :
أحاد أم سداس في آحاد |
|
ليبلتنا المنوطة بالتنادي |
تدلّ كلّها على معنى تكرير اسم العدد لقصد التوزيع كقوله تعالى : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [فاطر : ١] أي لطائفة جناحان ، ولطائفة ثلاثة ، ولطائفة أربعة. والتوزيع هنا باعتبار اختلاف المخاطبين في السعة والطّول ، فمنهم فريق يستطيع أن يتزوّجوا اثنتين ، فهؤلاء تكون أزواجهم اثنتين اثنتين ، وهلمّ جرّا ، كقولك لجماعة : اقتسموا هذا المال در همين در همين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، على حسب أكبركم سنّا. وقد دل على ذلك قوله بعد : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً). والظاهر أنّ تحريم الزيادة على الأربع مستفاد من غير هذه الآية لأنّ مجرّد الاقتصار غير كاف في الاستدلال ولكنّه يستأنس به ، وأنّ هذه الآية قرّرت ما ثبت من الاقتصار ، على أربع زوجات كما دلّ على ذلك الحديث الصحيح : إنّ غيلان بن سلمة أسلم على عشر نسوة فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «أمسك أربعا وفارق سائرهنّ». ولعلّ الآية صدرت بذكر العدد المقرّر من قبل نزولها ، تمهيدا لشرع العدل بين النساء ، فإنّ قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) صريح في اعتبار العدل في التنازل في مراتب العدد ينزل بالمكلّف إلى الواحدة. فلا جرم أن يكون خوفه في كلّ مرتبة من مراتب العدد ينزل به إلى التي دونها. ومن العجيب ما حكاه ابن العربي في الأحكام عن قوم من الجهّال ـ لم يعيّنهم ـ أنّهم توهّموا أنّ هذه الآية تبيح للرجال تزوّج تسع نساء توهّما بأنّ مثنى وثلاث ورباع مرادفة لاثنين وثلاثا وأربعا ، وأنّ الواو للجمع ، فحصلت