الأسلمي ، وفي رواية قتادة : أنّ الآية نزلت في رجلين أحدهما اسمه بشر من الأنصار ، والآخر من اليهود تدارءا في حقّ ، فدعاه اليهودي إلى التحاكم عند النبي صلىاللهعليهوسلم لعلمه بأنّه يقضي بالحقّ. ودعاه الأنصاري إلى التحاكم للكاهن لأنّه علم أنّه يرتشي ، فيقضي له ، فنزلت فيهما هذه الآية. وفي رواية الشعبي مثل ما قال قتادة ، ولكنّه وصف الأنصاري بأنّه منافق. وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنّ الخصومة بين منافق ويهودي ، فقال اليهودي «لننطلق إلى محمد» وقال المنافق «بل نأتي كعب بن الأشرف اليهودي» وهو الذي سمّاه الله الطاغوت.
وصيغة الجمع في قوله : (الَّذِينَ يَزْعُمُونَ) مراد بها واحد. وجيء باسم موصول الجماعة لأنّ المقام مقام توبيخ ، كقولهم : ما بال أقوام يقولون كذا ، ليشمل المقصود ومن كان على شاكلته. والزعم : خبر كاذب ، أو مشوب بخطإ ، أو بحيث يتّهمه الناس بذلك ، فإنّ الأعشى لمّا قال يمدح قيسا بن معد يكرب الكندي :
ونبّئت قيسا ولم أبله |
|
كما زعموا خير أهل اليمن |
غضب قيس وقال : «وما هو إلّا الزعم» ، وقال تعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) [التغابن : ٧] ، ويقول المحدّث عن حديث غريب فزعم فلان أنّ رسول اللهصلىاللهعليهوسلم قال كذا ، أي لإلقاء العهدة على المخبر ، ومنه ما يقع في كتاب سيبويه من قوله زعم الخليل ، ولذلك قالوا : الزعم مطية الكذب.
ويستعمل الزعم في الخبر المحقّق بالقرينة ، كقوله :
زعم العواذل أنّني في غمرة |
|
صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي |
فقوله صدقوا هو القرينة ، ومضارعه مثلّث العين ، والأفصح فيه الفتح.
وقد كان الذين أرادوا التحاكم إلى الطاغوت من المنافقين ، كما هو الظاهر ، فإطلاق الزعم على إيمانهم ظاهر.
وعطف قوله (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) لأنّ هؤلاء المنافقين كانوا من اليهود ، وقد دخل المعطوف في حيّز الزعم فدلّ على أنّ إيمانهم بما أنزل من قبل لم يكن مطّردا ، فلذلك كان ادّعاؤهم ذلك زعما ، لانتفاء إيمانهم بالتوراة في أحوال كثيرة مثل هذا ، إذ لو كانوا يؤمنون بها حقّا ، لم يكونوا ليتحاكموا إلى الكهّان ، وشريعة موسى ـ عليهالسلام ـ تحذّر منهم.