وقوله (يُرِيدُونَ) أي يحبّون محبّة تبعث على فعل المحبوب.
والطاغوت هنا هم الأصنام ، بدليل قوله : (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) ، ولكن فسّروه بالكاهن ، أو بعظيم اليهود ، كما رأيت في سبب نزول الآية ، فإذا كان كذلك فهو إطلاق مجازي بتشبيه عظيم الكفر بالصنم المعبود لغلوّ قومه في تقديسه ، وإمّا لأنّ الكاهن يترجم عن أقوال الصنم في زعمه ، وقد تقدّم اشتقاق الطاغوت عند قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) [النساء : ٥١] من هذه السورة. وإنّما قال (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) أي يحبّ ذلك ويحسنه لهم ، لأنّه ألقى في نفوسهم الدعاء إلى تحكيم الكهّان والانصراف عن حكم الرسول ، أو المعنى : يريد أن يضلّهم في المستقبل بسبب فعلتهم هذه لو لا أن أيقظهم الله وتابوا ممّا صنعوا.
والضلال البعيد هو الكفر ، ووصفه بالبعيد مجاز في شدّة الضلال بتنزيله منزلة جنس ذي مسافة كان هذا الفرد منه بالغا غاية المسافة ، قال الشاعر :
ضيّعت حزمي في إبعادي الأملا
وقوله (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا) الآية أي إذا قيل لهم احضروا أو ايتوا. فإنّ (تعال) كلمة تدلّ على الأمر بالحضور والإقبال ، فمفادها مفاد حرف النداء إلّا أنّها لا تنبيه فيها. وقد اختلف أئمّة العربية في أنّه فعل أو اسم فعل ، والأصحّ أنّه فعل لأنّه مشتقّ من مادّة العلوّ ، ولذلك قال الجوهري في «الصحاح» «والتعالي الارتفاع» ، تقول منه ، إذا أمرت: «تعال يا رجل» ، ومثله في «القاموس» ، ولأنّه تتّصل به ضمائر الرفع ، وهو فعل مبني على الفتح على غير سنّة فعل الأمر ، فذلك البناء هو الذي حدا فريقا من أهل العربية على القول بأنّه اسم فعل ، وليس ذلك القول ببعيد ، ولم يرد عن العرب غير فتح اللام ، فلذلك كان كسر اللام في قول أبي فراس :
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا |
|
تعالي أقاسمك الهموم تعالي |
بكسر لام القافية المكسورة ، معدودا لحنا.
وفي «الكشّاف» أنّ أهل مكة ـ أي في زمان الزمخشري ـ يقولون تعالي للمرأة. فذلك من اللحن الذي دخل في اللغة العربية بسبب انتشار الدّخلاء بينهم.
ووجه اشتقاق تعال من مادّة العلوّ أنّهم تخيّلوا المنادي في علوّ والمنادي (بالفتح) في سفل ، لأنّهم كانوا يجعلون بيوتهم في المرتفعات لأنّها أحصن لهم ، ولذلك كان أصله