في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ثمّ لا يجاورونك فيها إلّا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا».
و (فَكَيْفَ) خبر مبتدأ محذوف معلوم من سياق الكلام : أي كيف حالهم حين تصيبهم مصيبة بسبب ما فعلوا فيجيئونك معتذرين.
والاستفهام مستعمل في التهويل ، كما تقدّم القول فيه في قوله تعالى آنفا : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ).
وتركيب «كيف بك» يقال إذا أريدت بشارة أو وعيد تعجيبا أو تهويلا. فمن الأوّل
قول النبي صلىاللهعليهوسلم لسراقة بن مالك : «كيف بك إذ لبست سواري كسرى» بشارة بأنّ سواري كسرى سيقعان بيد جيش المسلمين ، فلمّا أتي بسواري كسرى في غنائم فتح فارس ألبسهما عمر بن الخطاب سراقة بن مالك تحقيقا لمعجزة النبي صلىاللهعليهوسلم.
ومن الثاني قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ)[آل عمران : ٢٥] وقد جمع الأمرين قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء : ٤١] الآية.
وقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) جاء باسم الإشارة لتمييزهم للسامعين أكمل تمييز ، لأنّهم قد حصل من ذكر صفاتهم ما جعلهم كالمشاهدين ، وأراد بما في قلوبهم الكفر الذي أبطنوه وأمر رسوله بالإعراض عنهم.
وحقيقة الإعراض عدم الالتفات إلى الشيء بقصد التباعد عنه ، مشتقّ من العرض ـ بضم العين ـ وهو الجانب ، فلعلّ أصل الهمزة في فعل أعرض للدخول في الشيء ، أي دخل في عرض المكان ، أو الهمزة للصيرورة ، أي صار ذا عرض ، أي جانب ، أي أظهر جانبه لغيره ، ولم يظهر له وجهه ، ثم استعمل استعمالا شائعا في التّرك والإمساك عن المخالطة والمحادثة ، لأنّه يتضمّن الإعراض غالبا ، يقال : أعرض عنه كما يقال : صدّ عنه ، كقوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) [الأنعام : ٦٨] ولذلك كثر هذا اللفظ في أشعار المتيّمين رديفا للصدود ، وهذا أقرب المعاني إلى المعنى الحقيقي ، فهو مجاز مرسل بعلاقة اللزوم ، وقد شاع ذلك في الكلام ثمّ أطلق على العفو وعدم المؤاخذة بتشبيه حالة من يعفو بحالة من لا يلتفت إلى الشيء فيوليه عرض وجهه ، كما استعمل صفح في هذا المعنى مشتقّا من صفحة الوجه ،