معنى قوله : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) والإشارة بقوله (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) إلى الحكم المتقدّم ، وهو قوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) إلى قوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) باعتبار ما اشتمل عليه من التوزيع على حسب العدل. وإفراد اسم الإشارة باعتبار المذكور كقوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً).
و (أَدْنى) بمعنى أقرب ، وهو قرب مجازي أي أحقّ وأعون على أن لا تعولوا ، و «تعولوا» مضارع عال عولا ، وهو فعل واوي العين ، بمعنى جار ومال ، وهو مشهور في كلام العرب ، وبه فسّر ابن عباس وجمهور السلف ، يقال : عال الميزان عولا إذا مال ، وعال فلان في حكمه أي جار ، وظاهر أنّ نزول المكلّف إلى العدد الذي لا يخاف معه عدم العدل أقرب إلى عدم الجور ، فيكون قوله : (أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) في معنى قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) فيفيد زيادة تأكيد كراهية الجور.
ويجوز أن تكون الإشارة إلى الحكم المتضمّن له قوله : (فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي ذلك أسلم من الجور ، لأنّ التعدّد يعرّض المكلّف إلى الجور وإن بذل جهده في العدل ، إذ للنفس رغبات وغفلات ، وعلى هذا الوجه لا يكون قوله : (أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) تأكيدا لمضمون (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) ويكون ترغيبا في الاقتصار على المرأة الواحدة أو التعدّد بملك اليمين ، إذ هو سدّ ذريعة الجور ، وعلى هذا الوجه لا يكون العدل شرطا في ملك اليمين ، وهو الذي نحاه جمهور فقهاء الأمصار في ملك اليمين.
وقيل : «معنى ألا تعولوا» أن لا تكثر عيالكم ، مأخوذ من قولهم عال الرجل أهله يعولهم بمعنى مالهم ، يعني فاستعمل نفي كثرة العيال على طريق الكناية لأنّ العول يستلزم وجود العيال ، والإخبار عن الرجل بأنّه يعول يستلزم كثرة العيال ، لأنّه إخبار بشيء لا يخلو عنه أحد فما يخبر المخبر به إلّا إذا رآه تجاوز الحدّ المتعارف. كما تقول فلان يأكل ، وفلان ينام ، أي يأكل كثيرا وينام كثيرا ، ولا يصحّ أن يراد كونه معنى لعال صريحا ، لأنّه لا يقال عال بمعنى كثرت عياله ، وإنّما يقال أعال. وهذا التفسير مأثور عن زيد بن أسلم ، وقاله الشافعي ، وقال به ابن الأعرابي من علماء اللغة وهو تفسير بعيد ، وكناية خفيّة ، لا يلائم إلّا أن تكون الإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما تضمنه قوله : (فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ويكون في الآية ترغيب في الاقتصار على الواحدة لخصوص الذي لا يستطيع السعة في الإنفاق ، لأنّ الاقتصار على الواحدة يقلل النفقة ويقلّل النسل فيبقي عليه ماله ، ويدفع عنه الحاجة ، إلّا أنّ هذا الوجه لا يلائم قوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)