قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) [آل عمران : ٧] الآية.
والتدبّر مشتقّ من الدّبر ، أي الظّهر ، اشتقّوا من الدّبر فعلا ، فقالوا : تدبّر إذا نظر في دبر الأمر ، أي في غائبه أو في عاقبته ، فهو من الأفعال التي اشتقّت من الأسماء الجامدة. والتدبّر يتعدّى إلى المتأمّل فيه بنفسه ، يقال : تدبّر الأمر. فمعنى (يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) يتأمّلون دلالته ، وذلك يحتمل معنيين : أحدهما أن يتأمّلوا دلالة تفاصيل آياته على مقاصده التي أرشد إليها المسلمين ، أي تدبّر تفاصيله ؛ وثانيهما أن يتأمّلوا دلالة جملة القرآن ببلاغته على أنّه من عند الله ، وأنّ الذي جاء به صادق. وسياق هذه الآيات يرجّح حمل التدبّر هنا على المعنى الأول ، أي لو تأمّلوا وتدبّروا هدي القرآن لحصل لهم خير عظيم ، ولما بقوا على فتنتهم التي هي سبب إضمارهم الكفر مع إظهارهم الإسلام. وكلا المعنيين صالح بحالهم ، إلّا أنّ المعنى الأول أشدّ ارتباطا بما حكي عنهم من أحوالهم.
وقوله : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ) إلخ يجوز أن يكون عطفا على الجملة الاستفهامية فيكونوا أمروا بالتدبّر في تفاصيله ، وأعلموا بما يدلّ على أنّه من عند الله ، وذلك انتفاء الاختلاف منه ، فيكون الأمر بالتدبّر عامّا ، وهذا جزئيّ من جزئيات التدبّر ذكر هنا انتهازا لفرصة المناسبة لغمرهم بالاستدلال على صدق الرسول ، فيكون زائدا على الإنكار المسوق له الكلام ، تعرّض له لأنّه من المهمّ بالنسبة إليهم إذ كانوا في شكّ من أمرهم. وهذا الإعراب أليق بالمعنى الأول من معنيي التدبّر هنا. ويجوز أن تكون الجملة حالا من «القرآن» ، ويكون قيدا للتدبّر ، أي ألا يتدبّرون انتفاء الاختلاف منه فيعلمون أنّه من عند الله ، وهذا أليق بالمعنى الثاني من معنيي التدبّر.
وممّا يستأنس به للإعراب الأوّل عدم ذكر هذه الزيادة في الآية المماثلة لهذه من سورة القتال ، وهي قوله : (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ) إلى قوله : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد : ٢٠ ـ ٢٤] وهذه دقائق من تفسير الآية أهملها جميع المفسّرين.
والاختلاف يظهر أنّه أريد به اختلاف بعضه مع بعض ، أي اضطرابه ، ويحتمل أنّه اختلافه مع أحوالهم : أي لوجدوا فيه اختلافا بين ما يذكره من أحوالهم وبين الواقع فليكتفوا بذلك في العلم بأنّه من عند الله ، إذ كان يصف ما في قلوبهم وصف المطّلع على الغيوب ، وهذا استدلال وجيز وعجيب قصد منه قطع معذرتهم في استمرار كفرهم. ووصف الاختلاف بالكثير في الطرف الممتنع وقوعه بمدلول (لو). ليعلم المتدبّر أنّ انتفاء