ولذلك اتّفق الفقهاء على وجوب ردّ السلام ، ثم اختلفوا إذا كان المسلّم عليهم جماعة هل يجب الردّ على كلّ واحد منهم : فقال مالك : هو واجب على الجماعة وجوب الكفاية فإذا رد واحد من الجماعة أجزأ عنهم ، وورد في ذلك حديث صحيح ؛ على أنّه إذا كانت الجماعة كثيرة يصير ردّ الجميع غوغاء. وقال أبو حنيفة : الردّ فرض على كلّ شخص من الجماعة بعينه. ولعلّ دليله في ذلك القياس.
ودلّ قوله : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ) على أنّ ابتداء السلام شيء معروف بينهم ، ودليله قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) ، وسيأتي في سورة النور [٢٧].
وأفاد قوله : (بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) التخيير بين الحالين ، ويعلم من تقديم قوله : (بِأَحْسَنَ مِنْها) أنّ ذلك أفضل.
وحييّ أصله في اللغة دعا له بالحياة ، ولعلّه من قبيل النحت من قول القائل : حيّاك الله ، أي وهب لك طول الحياة. فيقال للملك : حياك الله. ولذلك جاء في دعاء التشهّد (التحيّات لله) أي هو مستحقّها لا ملوك الناس. وقال النابغة :
يحيّون بالرّيحان يوم السّباسب
أي يحيون مع تقديم الريحان في يوم عيد الشعانين ـ وكانت التحيّة خاصّة بالملوك بدعاء (حيّاك الله) غالبا ، فلذلك أطلقوا التحية على الملك في قول زهير بن جنّات الكلبي:
ولكلّ ما نال الفتى |
|
قد نلته إلّا التحيّة |
يريد أنّه بلغ غاية المجد سوى الملك. وهو الذي عناه المعريّ بقوله :
تحية كسرى في الثناء وتبّع |
|
لربعك لا أرضى تحيّة أربع |
وهذه الآية من آداب الإسلام : علّم الله بها أن يردّوا على المسلّم بأحسن من سلامه أو بما يماثله ، ليبطل ما كان بين الجاهلية من تفاوت السادة والدهماء. وتكون التحيّة أحسن بزيادة المعنى ، فلذلك قالوا في قوله تعالى : (فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ)[الذاريات : ٢٥] : أنّ تحية إبراهيم كانت أحسن إذ عبّر عنها بما هو أقوى في كلام العرب وهو رفع المصدر للدلالة على الثبات وتناسي الحدوث المؤذن به نصب المصدر ، وليس في لغة إبراهيم مثل ذلك ولكنّه من بديع الترجمة ، ولذلك جاء في تحيّة الإسلام : السلام عليكم ، وفي ردّها وعليكم السلام لأنّ تقديم الظرف فيه للاهتمام بضمير المخاطب. وقال بعض