وخلف : فتثبتوا ـ بفاء فوقية فمثلّثة فموحّدة ففوقيّة ـ بمعنى اطلبوا الثابت ، أي الذي لا يتبدّل ولا يحتمل نقيض ما بدا لكم.
وقوله : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) قرأ نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، وخلف «السّلم» ـ بدون ألف بعد اللام ـ وهو ضدّ الحرب ، ومعنى ألقى السلم أظهره بينكم كأنّه رماه بينهم ، وقرأ البقية «السّلام» ـ بالألف ـ وهو مشترك بين معنى السلم ضدّ الحرب ، ومعنى تحية الإسلام ، فهي قول : السلام عليكم ، أي من خاطبكم بتحية الإسلام علامة على أنّه مسلم.
وجملة (لَسْتَ مُؤْمِناً) مقول (لا تَقُولُوا). وقرأ الجمهور : (مُؤْمِناً) ـ بكسر الميم الثانية ـ بصيغة اسم الفاعل ، أي لا تنفوا عنه الإيمان وهو يظهره لكم ، وقرأه ابن وردان عن أبي جعفر ـ بفتح الميم الثانية ـ بصيغة اسم المفعول ، أي لا تقولوا له لست محصّلا تأميننا إياك ، أي إنّك مقتولا أو مأسور. و (عَرَضَ الْحَياةِ) : متاح الحياة ، والمراد به الغنيمة فعبّر عنها ب (عَرَضَ الْحَياةِ) تحقيرا لها بأنّها نفع عارض زائل.
وجملة (تَبْتَغُونَ) حالية ، أي ناقشتموه في إيمانه خشية أن يكون قصد إحراز ماله ، فكان عدم تصديقه آئلا إلى ابتغاء غنيمة ماله ، فأوخذوا بالمآل. فالمقصود من هذا القيد زيادة التوبيخ ، مع العلم بأنّه لو قال لمن أظهر الإسلام : لست مؤمنا ، وقتله غير آخذ منه مالا لكان حكمه أولى ممّن قصد أخذ الغنيمة ، والقيد ينظر إلى سبب النزول ، والحكم أعمّ من ذلك. وكذلك قوله : (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) أي لم يحصر الله مغانمكم في هذه الغنيمة.
وزاد في التوبيخ قوله : (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) أي كنتم كفّارا فدخلتم الإسلام بكلمة الإسلام ، فلو أنّ أحدا أبى أن يصدّقكم في إسلامكم أكان يرضيكم ذلك. وهذه تربية عظيمة ، وهي أن يستشعر الإنسان عند مؤاخذته غيره أحوالا كان هو عليها تساوي أحوال من يؤاخذه ، كمؤاخذة المعلّم التلميذ بسوء إذا لم يقصّر في إعمال جهده. وكذلك هي عظيمة لمن يمتحنون طلبة العلم فيعتادون التشديد عليهم وتطلّب عثراتهم ، وكذلك ولاة الأمور وكبار الموظّفين في معاملة من لنظرهم من صغار الموظّفين ، وكذلك الآباء مع أبنائهم إذا بلغت بهم الحماقة أن ينتهروهم على اللعب المعتاد أو على الضجر من الآلام.
وقد دلّت الآية على حكمة عظيمة في حفظ الجامعة الدينية ، وهي بثّ الثقة والأمان بين أفراد الأمّة ، وطرح ما من شأنه إدخال الشكّ لأنّه إذا فتح هذا الباب عسر سدّه ، وكما