قالوا : وكان منهم أبو قيس بن الفاكه ، والحارث بن زمعة ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وعلي بن أمية بن خلف ، والعاص بن منبه بن الحجاج ؛ فهؤلاء قتلوا. وكان العباس بن عبد المطلب ، وعقيل ونوفل ابنا أبي طالب فيمن خرج معهم ، ولكن هؤلاء الثلاثة أسروا وفدوا أنفسهم وأسلموا بعد ذلك ، وهذا أصحّ الأقوال في هذه الآية.
وقيل : أريد بالظلم عدم الهجرة إذ كان قوم من أهل مكة أسلموا وتقاعسوا عن الهجرة. قال السديّ : كان من أسلم ولم يهاجر يعتبر كافرا حتّى يهاجر ، يعني ولو أظهر إسلامه وترك حال الشرك. وقال غيره : بل كانت الهجرة واجبة ولا يكفّر تاركها. فعلى قول السدّي فالظلم مراد به أيضا الكفر لأنّه معتبر من الكفر في نظر الشرع ، أي أنّ الشرع لم يكتف بالإيمان إذا لم يهاجر صاحبه مع التمكّن من ذلك ، وهذا بعيد فقد قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) [الأنفال : ٧٢] الآية ؛ فأوجب على المسلمين نصرهم في الدين إن استنصروهم ، وهذه حالة تخالف حالة الكفّار. وعلى قول غيره : فالظلم المعصية العظيمة ، والوعيد الذي في هذه الآية صالح للأمرين ، على أنّ المسلمين لم يعدّوا الذين لم يهاجروا قبل فتح مكة في عداد الصحابة. قال ابن عطية : لأنّهم لم يتعيّن الذين ماتوا منهم على الإسلام والذين ماتوا على الكفر فلم يعتدّوا بما عرفوا منهم قبل هجرة النبيصلىاللهعليهوسلم.
وجملة : (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) خبر (إنّ). والمعنى : قالوا لهم قول توبيخ وتهديد بالوعيد وتمهيد لدحض معذرتهم في قولهم : (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) ، فقالوا لهم (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها).
ويجوز أن يكون جملة : (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) موضع بدل الاشتمال من جملة (تَوَفَّاهُمُ) ، فإنّ توفّي الملائكة إيّاهم المحكي هنا يشتمل على قولهم لهم (فِيمَ كُنْتُمْ).
وأمّا جملة (قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) فهي مفصولة عن العاطف جريا على طريقة المقاولة في المحاورة ، على ما بيّناه عند قوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) في سورة البقرة. وكذلك جملة : (قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً). ويكون خبر (إنّ) قوله : (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) على أن يكون دخول الفاء في الخبر لكون اسم إنّ موصولا فإنّه يعامل معاملة أسماء الشروط كثيرا ، وقد تقدّمت نظائره. والإتيان بالفاء هنا أولى لطول الفصل بين اسم (إنّ) وخبرها بالمقاولة ، بحيث صار الخبر كالنتيجة لتلك المقاولة كما يدلّ عليه أيضا اسم الإشارة.