المشركين لحقيقة الدين ، فطمعوا أن تلهيهم الصلاة عن الاستعداد لأعدائهم ، فنبه الله المؤمنين إلى ذلك كيلا يكونوا عند ظنّ المشركين ، وليعوّدهم بالأخذ بالحزم في كلّ الأمور ، وليريهم أنّ صلاح الدين والدنيا صنوان.
والأسلحة جمع سلاح ، وهو اسم جنس لآلة الحرب كلّها من الحديد ، وهي السيف والرمح والنبل والحربة وليس الدرع ولا الخوذة ولا التّرس بسلاح. وهو يذكّر ويؤنث. والتذكير أفصح ، ولذلك جمعوه على أسلحة وهو من زنات جمع المذكّر.
والأمتعة جمع متاع وهو كلّ ما ينتفع به من عروض وأثاث ، ويدخل في ذلك ما له عون في الحرب كالسروج ولامة الحرب كالدروع والخوذات. (فَيَمِيلُونَ) مفرّع عن قوله : (لَوْ تَغْفُلُونَ) إلخ ، وهو محلّ الودّ ، أي ودّوا غفلتكم ليميلوا عليكم. والميل : العدول عن الوسط إلى الطرف ، ويطلق على العدول عن شيء كان معه إلى شيء آخر ، كما هنا ، أي فيعدلون عن معسكرهم إلى جيشكم. ولمّا كان المقصود من الميل هنا الكرّ والشدّ ، عدّي ب (على) ، أي فيشدّون عليكم في حال غفلتكم.
وانتصب (ميلة) على المفعولية المطلقة لبيان العدد ، أي شدّة مفردة. واستعملت صيغة المرّة هنا كناية عن القوّة والشدّة ، وذلك أنّ الفعل الشديد القويّ يأتي بالغرض منه سريعا دون معاودة علاج ، فلا يتكرّر الفعل لتحصيل الغرض ، وأكّد معنى المرّة المستفاد من صيغة فعلة بقوله : (واحِدَةً) تنبيها على قصد معنى الكناية لئلّا يتوهّم أنّ المصدر لمجرّد التأكيد لقوله : (فَيَمِيلُونَ).
وقوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ) إلخ رخصة لهم في وضع الأسلحة عند المشقّة ، وقد صار ما هو أكمل في أداء الصلاة رخصة هنا ، لأنّ الأمور بمقاصدها وما يحصل عنها من المصالح والمفاسد ، ولذلك قيّد الرخصة مع أخذ الحذر. وسبب الرخصة أنّ في المطر شاغلا للفريقين كليهما ، وأمّا المرض فموجب للرخصة لخصوص المريض.
وقوله : (إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) تذييل لتشجيع المسلمين ؛ لأنّه لمّا كرّر الأمر بأخذ السلاح والحذر ، خيف أن تثور في نفوس المسلمين مخافة من العدوّ من شدّة التحذير منه ، فعقّب ذلك بأنّ الله أعدّ لهم عذابا مهينا ، وهو عذاب الهزيمة والقتل والأسر ، كالذي في قوله : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) [التوبة : ١٤] ، فليس الأمر بأخذ الحذر والسلاح إلّا لتحقيق أسباب ما أعدّ الله لهم ، لأنّ الله إذا أراد أمرا هيّأ أسبابه. وفيه