فعل فيها ، وقيم من غير الغالب. كذا قرأه نافع ، وابن عامر : «قيما» بوزن فعل ، وقرأه الجمهور «قياما» ، والقيام ما به يتقوّم المعاش وهو واوي أيضا وعلى القراءتين فالإخبار عن الأموال به إخبار بالمصدر للمبالغة مثل قول الخنساء :
فإنّما هي إقبال وإدبار
والمعنى أنّها تقويم عظيم لأحوال الناس. وقيل : قيما جمع قيمة أي التي جعلها الله قيما أي أثمانا للأشياء ، وليس فيه إيذان بالمعنى الجليل المتقدّم.
ومعنى قوله : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) واقع موقع الاحتراس أي لا تؤتوهم الأموال إيتاء تصرّف مطلق ، ولكن آتوهم إيّاها بمقدار انتفاعهم من نفقة وكسوة ، ولذلك قال فقهاؤنا : تسلّم للمحجور نفقته وكسوته إذا أمن عليها بحسب حاله وماله ، وعدل عن تعدية (ارْزُقُوهُمْ) و (اكْسُوهُمْ) ب (من) إلى تعديتها ب (في) الدالّة على الظرفية المجازية ، على طريقة الاستعمال في أمثاله ، حين لا يقصد التبعيض الموهم للإنقاص من ذات الشيء ، بل يراد أنّ في جملة الشيء ما يحصل به الفعل : تارة من عينه ، وتارة من ثمنه ، وتارة من نتاجه ، وأنّ ذلك يحصل مكرّرا مستمرّا. وانظر ذلك في قول سبرة بن عمرو الفقعسي :
نحابي بها أكفاءنا ونهينها |
|
ونشرب في أثمانها ونقامر |
يريد الإبل التي سيقت إليهم في دية قتيل منهم ، أي نشرب بأثمانها ونقامر ، فإمّا شربنا بجميعها أو ببعضها أو نسترجع منها في القمار ، وهذا معنى بديع في الاستعمال لم يسبق إليه المفسّرون هنا ، فأهمل معظمهم التنبيه على وجه العدول إلى (في) ، واهتدى إليه صاحب «الكشاف» بعض الاهتداء فقال : أي اجعلوها مكانا لرزقهم بأن تتّجروا فيها وتتربّحوا حتّى تكون نفقتهم من الربح لا من صلب المال. فقوله : «لا من صلب المال» مستدرك ، ولو كان كما قال لاقتضى نهيا عن الإنفاق من صلب المال.
وإنّما قال : (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) ليسلم إعطاؤهم النفقة والكسوة من الأذى ، فإنّ شأن من يخرج المال من يده أن يستثقل سائل المال ، وذلك سواء في العطايا التي من مال المعطي ، والتي من مال المعطى ، ولأنّ جانب السفيه ملموز بالهون ، لقلّة تدبيره ، فلعلّ ذلك يحمل وليّه على القلق من معاشرة اليتيم فيسمعه ما يكره مع أنّ نقصان عقله خلل في الخلقة ، فلا ينبغي أن يشتم عليه ، ولأنّ السفيه غالبا يستنكر منع ما يطلبه من واسع المطالب ، فقد يظهر عليه ، أو يصدر منه كلمات مكروهة لوليّه ، فأمر الله لأجل ذلك كلّه الأولياء بأن لا يبتدءوا محاجيرهم بسيّئ الكلام ، ولا يجيبوهم بما يسوء ، بل يعظون