موسى وإنكار نبوءته ، لئلّا يدفعهم بغض اليهود وما بينهم وبينهم من الشنآن إلى مقابلتهم بمثل ما يصرّح به اليهود من تكذيب محمد صلىاللهعليهوسلم وإنكار نزول القرآن ؛ وإمّا أريد به التعريض بالذين يزعمون أنّهم يؤمنون بالله ورسله ثم ينكرون نبوءة محمد صلىاللهعليهوسلم وينكرون القرآن ، حسدا من عند أنفسهم ، ويكرهون بعض الملائكة لذلك ، وهم اليهود ، والتنبيه على أنّ المسلمين أكمل الأمم إيمانا ، وأولى الناس برسل الله وكتبه ، فهم أحرياء بأن يسودوا غيرهم لسلامة إيمانهم من إنكار فضائل أهل الفضائل ، ويدلّ لذلك قوله عقبه «ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه» ، ويزيد ذلك تأييدا أنّه قال : (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فعطفه على الأشياء التي من يكفر بها فقد ضلّ ، مع أنّه لم يأمر المؤمنين بالإيمان باليوم الآخر فيما أمرهم به ، لأنّ الإيمان به يشاركهم فيه اليهود فلم يذكره فيما يجب الإيمان به ، وذكره بعد ذلك تعريضا بالمشركين.
المسلك الثالث : أن يراد بالأمر بالإيمان الدوام عليه تثبيتا لهم على ذلك ، وتحذيرا لهم من الارتداد ، فيكون هذا الأمر تمهيدا وتوطئة لقوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ) ، ولقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) [النساء : ١٣٧] الآية.
المسلك الرابع : أنّ الخطاب للمنافقين ، يعني : يا أيّها الذين أظهروا الإيمان أخلصوا إيمانكم حقّا.
المسلك الخامس : روي عن الحسن تأويل الأمر في قوله : (آمِنُوا بِاللهِ) بأنّه طلب لثباتهم على الإيمان الذي هم عليه ، واختاره الجبائي. وهو الجاري على ألسنة أهل العلم ، وبناء عليه جعلوا الآية شاهدا لاستعمال صيغة الأمر في طلب الدوام. والمراد بالكتاب الذي أنزل من قبل الجنس ، والتعريف للاستغراق يعني : والكتب التي أنزل الله من قبل القرآن ، ويؤيّده قوله بعده «وكتبه ورسله».
وقرأ نافع. وعاصم. وحمزة ، والكسائي ، وأبو جعفر ، ويعقوب ، وخلف : «نزّل ـ و ـ أنزل» ـ كليهما بالبناء للفاعل ـ وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ـ بالبناء للنائب ـ.
وجاء في صلة وصف الكتاب (الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ) بصيغة التفعيل ، وفي صلة الكتاب (الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) بصيغة الإفعال تفنّنا ، أو لأنّ القرآن حينئذ بصدد النزول نجوما ، والتوراة يومئذ قد انقضى نزولها. ومن قال : لأنّ القرآن أنزل منجّما بخلاف غيره من الكتب فقد أخطأ إذ لا يعرف كتاب نزل دفعة واحدة.