وجملة (إِنَّ الْمُنافِقِينَ) مستأنفة استئنافا بيانيا ، ثانيا إذ هي عود إلى أحوال المنافقين.
وتأكيد الخبر ب (إنّ) لإفادة أنّه لا محيص لهم عنه.
والدّرك : اسم جمع دركة ، ضدّ الدّرج اسم جمع درجة. والدركة المنزلة في الهبوط. فالشيء الذي يقصد أسفله تكون منازل التدليّ إليه دركات ، والشيء الذي يقصد أعلاه تكون منازل الرقيّ إليه درجات ، وقد يطلق الاسمان على المنزلة الواحدة باختلاف الاعتبار وإنّما كان المنافقون في الدرك الأسفل ، أي في أذلّ منازل العذاب ، لأنّ كفرهم أسوأ الكفر لما حفّ به من الرذائل.
وقرأ الجمهور : (فِي الدَّرْكِ) ـ بفتح الراء ـ على أنّه اسم جمع دركة ضدّ الدرجة.
وقرأه عاصم. وحمزة ، والكسائي ، وخلف ـ بسكون الراء ـ وهما لغتان وفتح الراء هو الأصل ، وهو أشهر.
والخطاب في (وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) لكلّ من يصحّ منه سماع الخطاب ، وهو تأكيد للوعيد ، وقطع لرجائهم ، لأنّ العرب ألفوا الشفاعات والنجدات في المضائق. فلذلك كثر في القرآن تذييل الوعيد بقطع الطمع في النصير والفداء ونحوهما.
واستثنى من هذا الوعيد من آمن من المنافقين ، وأصلح حاله ، واعتصم بالله دون الاعتزاز بالكافرين ، وأخلص دينه لله ، فلم يشبه بتردّد ولا تربّص بانتظار من ينتصر من الفريقين : المؤمنين والكافرين ، فأخبر أنّ من صارت حاله إلى هذا الخير فهو مع المؤمنين ، وفي لفظ (مع) إيماء إلى فضيلة من آمن من أوّل الأمر ولم يصم نفسه بالنفاق لأنّ (مع) تدخل على المتبوع وهو الأفضل.
وجيء باسم الإشارة في قوله : (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) لزيادة تمييز هؤلاء الذين تابوا ، وللتنبيه على أنّهم أحرياء بما سيرد بعد اسم الإشارة.
وقد علم الناس ما أعدّ الله للمؤمنين بما تكرّر في القرآن ، ولكن زاده هنا تأكيدا بقوله : (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً). وحرف التنفيس هنا دلّ على أنّ المراد من الأجر أجر الدنيا وهو النصر وحسن العاقبة وأجر الآخرة ، إذ الكلّ مستقبل ، وأن ليس المراد منه الثواب لأنّه حصل من قبل.