الجاني تعذيبا له ثم عفوا عنه ، وقال تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) ... (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا) [المائدة : ٣٣]. والمشهور في الاستعمال : أنّ الصلب هو أن يوثق المعدود للقتل على خشبة بحيث لا يستطيع التحرّك ثم يطعن بالرمح أو يرمى بسهم ، وكذلك كانوا يزعمون أنّ عيسى صلب ثم طعن برمح في قلبه.
وجملة (وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) استدراك ، والمستدرك هو ما أفاده (وَما قَتَلُوهُ) من كون هذا القول لا شبهة فيه. وأنّه اختلاق محض ، فبيّن بالاستدراك أنّ أصل ظنّهم أنّهم قتلوه أنّهم توهّموا أنّهم قتلوه ، وهي شبهة أوهمت اليهود أنّهم قتلوا المسيح ، وهي ما رأوه ظاهرا من وقوع قتل وصلب على ذات يعتقدونها ذات المسيح ، وبهذا وردت الآثار في تأويل كيفيّة معنى الشبه.
وقوله : (شُبِّهَ لَهُمْ) يحتمل أن يكون معناه : أنّ اليهود الّذين زعموا قتلهم المسيح في زمانهم قد شبّه لهم مشبّه بالمسيح فقتلوه ، ونجّى الله المسيح من إهانة القتل ، فيكون قوله: (شُبِّهَ) فعلا مبنيّا للمجهول ، مشتقّا من الشبه ، وهو المماثلة في الصورة. وحذف المفعول الذي حقّه أن يكون نائب فاعل (شبّه) للدلالة فعل (شبّه) عليه ؛ فالتقدير : شبّه مشبّه فيكون «لهم» نائبا عن الفاعل. وضمير (لهم) على هذا الوجه عائد إلى الذين قالوا : (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) وهم يهود زمانه ، أي وقعت لهم المشابهة ، واللام على هذا بمعنى عند كما تقول : حصل لي ظنّ بكذا. والاستدراك بيّن على هذا الاحتمال. ويحتمل أن يكون المعنى ولكن شبّه لليهود الأولين والآخرين خبر صلب المسيح ، أي اشتبه عليهم الكذب بالصدق ، فيكون من باب قول العرب : خيّل إليك ، واختلط على فلان. وليس ثمّة شبيه بعيسى ولكن الكذب في خبره شبيه بالصدق ، واللام على هذا لام الأجل : أي ليس الخبر كذبه بالصدق لأجلهم ، أي لتضليلهم ، أي أنّ كبراءهم اختلقوه لهم ليبردوا غليلهم من الحنق على عيسى إذ جاء بإبطال ضلالاتهم. أو تكون اللام بمعنى ـ على ـ للاستعلاء المجازي ، كقوله تعالى : (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء : ٧]. ونكتة العدول عن حرف ـ على ـ تضمين فعل شبّه معنى صنع ، أي صنع الأحبار هذا الخبر لأجل إدخال الشبهة على عامّتهم.
وفي الأخبار أنّ (يهوذا الاسخريوطي) أحد أصحاب المسيح ، وكان قد ضلّ ونافق ، هو الذي وشى بعيسى ـ عليهالسلام ـ وهو الذي ألقى الله عليه شبه عيسى ، وأنّه الذي صلب ، وهذا أصله في إنجيل برنابي أحد تلاميذ الحواريين ، وهذا يلائم الاحتمال الأول.