ذلك بهوت ، وجمعه : بهت وبهت. وقد زيّن اليهود ما شاءوا في الإفك على مريم ـ عليهاالسلام ـ. أمّا قولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم ، فمحلّ المؤاخذة عليهم منه : هو أنّهم قصدوا أن يعدّوا هذا الإثم في مفاخر أسلافهم الراجعة إلى الإخلاف بالعهد المبيّن في سبيل نصر الدين.
والمسيح كان لقبا لعيسى ـ عليهالسلام ـ لقّبه به اليهود تهكّما عليه : لأنّ معنى المسيح في اللغة العبرية بمعنى الملك ، كما تقدّم في قوله تعالى : (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) في سورة آل عمران [٤٥] ، وهو لقب قصدوا منه التهكّم ، فصار لقبا له بينهم. وقلب الله قصدهم تحقيره فجعله تعظيما له. ونظيره ما كان يطلق بعض المشركين على النبي محمّد صلىاللهعليهوسلم اسم مذمّم ، قالت امرأة أبي لهب : مذمّما عصينا ، وأمره أبينا. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم ألا تعجبون كيف يصرف الله عنّي شتم قريش ولعنهم ، يشتمون ويلعنون مذمّما وأنا محمد (١).
وقوله : (رَسُولَ اللهِ) إن كان من الحكاية : فالمقصود منه الثناء عليه والإيمان إلى أنّ الذين يتبجّحون بقتله أحرياء بما رتّب لهم على قولهم ذلك ، فيكون نصب (رَسُولَ اللهِ) على المدح ، وإن كان من المحكي : فوصفهم إيّاه مقصود منه التهكّم ، كقول المشركين للنبي صلىاللهعليهوسلم (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦] وقول أهل مدين لشعيب (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) [هود : ٨٧] فيكون نصب «رسول الله» على النعت للمسيح.
وقوله (وَما قَتَلُوهُ) إلخ الظاهر أنّ الواو فيه للحال ، أي قولهم ذلك في حال أنّهم ما قتلوه ، وليس خبرا عن نفي القتل لأنّه لو كان خبرا لاقتضى الحال تأكيده بمؤكّدات قويّة ، ولكنّه لمّا كان حالا من فاعل القول المعطوف على أسباب لعنهم ومؤاخذتهم كانت تلك الأسباب مفيدة ثبوت كذبهم ، على أنّه يجوز كونه خبرا معطوفا على الجمل المخبر بها عنهم ، ويكون تجريده من المؤكّدات : إمّا لاعتبار أنّ المخاطب به هم المؤمنون ، وإمّا لاعتبار هذا الخبر غنيّا عن التأكيد ، فيكون ترك التأكيد تخريجا على خلاف مقتضى الظاهر ، وإمّا لكونه لم يتلقّ إلّا من الله العالم بخفيّات الأمور فكان أعظم من أن يؤكّد.
وعطف (وَما صَلَبُوهُ) لأنّ الصلب قد يكون دون القتل ، فقد كانوا ربما صلبوا
__________________
(١) عن أبي هريرة في «صحيح البخاري» في باب ما جاء في أسماء النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من كتاب المناقب.