بالإيمان مفرّعا على هاته الجمل بقوله : (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ).
وانتصب (خَيْراً) على تعلّقه بمحذوف لازم الحذف في كلامهم لكثرة الاستعمال ، فجرى مجرى الأمثال ، وذلك فيما دلّ على الأمر والنهي من الكلام نحو (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) [النساء : ١٧١] ، ووراءك أوسع لك ، أي تأخّر ، وحسبك خيرا لك ، وقول عمر بن أبي ربيعة :
فواعديه سرحتي مالك |
|
أو الرّبا بينهما. أسهلا |
فنصبه ممّا لم يختلف فيه عن العرب ، واتّفق عليه أئمّة النحو ، وإنّما اختلفوا في المحذوف : فجعله الخليل وسيبويه فعلا أمرا مدلولا عليه من سياق الكلام ، تقديره : ايت أو اقصد ، قالا : لأنّك لمّا قلت له : انته ، أو افعل ، أو حسبك ، فأنت تحمله على شيء آخر أفضل له. وقال الفرّاء من الكوفيّين : هو في مثله صفة مصدر محذوف ، وهو لا يتأتّى فيما كان منتصبا بعد نهي ، ولا فيما كان منتصبا بعد غير متصرّف ، نحو : وراءك وحسبك.
وقال الكسائي والكوفيّون : نصب بكان محذوفة مع خبرها ، والتقدير : يكن خيرا. وعندي : أنّه منصوب على الحال من المصدر الذي تضمّنه الفعل ، وحده ، أو مع حرف النهي ، والتقدير : فآمنوا حال كون الإيمان خيرا ، وحسبك حال كون الاكتفاء خيرا ، ولا تفعل كذا حال كون الانتهاء خيرا. وعود الحال إلى مصدر الفعل في مثله كعود الضمير إليه في قوله : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨] ، لا سيما وقد جرى هذا مجرى الأمثال ، وشأن الأمثال قوّة الإيجاز. وقد قال بذلك بعض الكوفيين وأبو البقاء.
وقوله (وَإِنْ تَكْفُرُوا) أريد به أن تبقوا على كفركم.
وقوله : (فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) هو دليل على جواب الشرط ، والجواب محذوف لأنّ التقدير : إن تكفروا فإنّ الله غنيّ عن إيمانكم لأنّ لله ما في السموات وما في الأرض ، وصرّح بما حذف هنا في سورة الزمر [٧] في قوله تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) وفيه تعريض بالمخاطبين ، أي أنّ كفركم لا يفلتكم من عقابه ، لأنّكم عبيده ، لأنّ له ما في السموات وما في الأرض.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ