ثم يجوز أن يكون (ناراً) من قوله : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) مرادا بها نار جهنّم ، كما هو الغالب في القرآن ، وعليه ففعل (يَأْكُلُونَ) ناصب (ناراً) المذكور على تأويل يأكلون ما يفضي بهم إلى النار ، فأطلق النار مجازا مرسلا بعلاقة الأول أو السببية أي ما يفضي بهم إلى عذاب جهنّم ، فالمعنى أنّهم حين يأكلون أموال اليتامى قد أكلوا ما يفضي بهم إلى جهنّم.
وعلى هذا فعطف جملة : (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) عطف مرادف لمعنى جملة (يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً).
ويجوز أن يكون اسم النار مستعارا للألم بمعنى أسباب الألم فيكون تهديدا بعذاب دنيوي أو مستعارا للتلف لأنّ شأن النار أن تلتهم ما تصيبه ، والمعنى إنّما يأخذون أموالا هي سبب في مصائب تعتريهم في ذواتهم وأموالهم كالنار إذا تدنو من أحد فتؤلمه وتتلف متاعه ، فيكون هذا تهديدا بمصائب في الدنيا على نحو قوله تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) [البقرة : ٢٧٦] ويكون عطف جملة (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) جاريا على ظاهر العطف من اقتضاء المغايرة بين المتعاطفين ، فالجملة الأولى تهديد بعذاب في الدنيا ، والجملة الثانية وعيد بعذاب الآخرة.
وذكر (فِي بُطُونِهِمْ) على كلا المعنيين مجرّد تخييل وترشيح لاستعارة (يَأْكُلُونَ) لمعنى يأخذون ويستحوذون.
والسين في (سَيَصْلَوْنَ) حرف تنفيس أي استقبال ، أي أنها تدخل على المضارع فتمحّضه للاستقبال ، سوءا كان استقبالا قريبا أو بعيدا ، وهي مرادفة سوف ، وقيل : إنّ سوف أوسع زمانا. وتفيدان في مقام الوعد تحقيق الوعد وكذلك التوعّد.
ويصلون مضارع صلي كرضي إذا قاسى حرّ النار بشدّة ، كما هنا ، يقال : صلى بالنار ، ويكثر حذف حرف الجرّ مع فعل صلي ونصب الاسم بعده على نزع الخافض ، قال حميد بن ثور :
لا تصطلي النار إلّا يجمرا أرجا |
|
قد كسّرت من يلنجوج له وقصا |
وهو الوارد في استعمال القرآن باطراد.
وقرأ الجمهور : وسيصلون ـ بفتح التحتية ـ مضارع صلي ، وقرأه ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ـ بضم التحتية ـ مضارع أصلاه إذا أحرقه ومبنيا للنائب.