ثم أطلقوه على إرث البعيد ، وأحسب أنّ ذلك من مصطلح القرآن إذ لم أره في كلام العرب إلّا ما بعد نزول الآية. قال الفرزدق :
ورثتم قناة المجد لا عن كلالة |
|
عن ابني مناف عبد شمس وهاشم |
ومنه قولهم : ورث المجد لا عن كلالة. وقد عدّ الصحابة معنى الكلالة هنا من مشكل القرآن حتّى قال عمر بن الخطاب : «ثلاث لأن يكون رسول الله بيّنهن أحبّ إليّ من الدنيا : الكلالة ، والربا ، والخلافة». وقال أبو بكر : «أقول فيها برأيي ، فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمنّي ومن الشيطان والله منه بريء ، الكلالة ما خلا الولد والوالد». وهذا قول عمر ، وعلي ، وابن عباس ، وقال به الزهري ، وقتادة والشعبي ، وهو قول الجمهور ، وحكي الإجماع عليه ، وروي عن ابن عباس «الكلالة من لا ولد له» أي ولو كان له والد وينسب ذلك لأبي بكر وعمر أيضا ثم رجعا عنه ، وقد يستدلّ له بظاهر الآية في آخر السورة : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) [النساء : ١٧٦] وسياق الآية يرجّح ما ذهب إليه الجمهور لأنّ ذكرها بعد ميراث الأولاد والأبوين مؤذن بأنّها حالة مخالفة للحالين.
وانتصب قوله : (كَلالَةً) على الحال من الضمير في (يُورَثُ) الذي هو كلالة من وارثه أي قريب غير الأقرب لأنّ الكلالة يصحّ أن يوصف بها كلا القريبين.
وقوله : (أَوِ امْرَأَةٌ) عطف على (رَجُلٌ) الذي هو اسم (كان) فيشارك المعطوف المعطوف عليه في خبر (كان) إذ لا يكون لها اسم بدون خبر في حال نقصانها.
وقوله : (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) يتعيّن على قول الجمهور في معنى الكلالة أن يكون المراد بهما الأخ والأخت للأمّ خاصّة لأنّه إذا كان الميّت لا ولد له ولا والد وقلنا له أخ أو أخت وجعلنا لكلّ واحد منهما السدس نعلم بحكم ما يشبه دلالة الاقتضاء أنّهما الأخ والأخت للأم لأنّهما لمّا كانت نهاية حظّهما الثلث فقد بقي الثلثان فلو كان الأخ والأخت هما الشقيقين أو اللذين للأب لاقتضى أنّهما أخذا أقلّ المال وترك الباقي لغيرهما وهل يكون غيرهما أقرب منهما فتعيّن أنّ الأخ والأخت مراد بهما اللذان للأمّ خاصّة ليكون الثلثان للإخوة الأشقّاء أو الأعمام أو بني الأعمام. وقد أثبت الله بهذا فرضا للإخوة للأمّ إبطالا لما كان عليه أهل الجاهلية من إلغاء جانب الأمومة أصلا ، لأنّه جانب نساء ولم يحتج للتنبيه على مصير بقيّة المال لما قدّمنا بيانه آنفا من أنّ الله تعالى أحال أمر العصابة على ما هو متعارف بين من نزل فيهم القرآن.