أرى العمر كنزا ناقصا كلّ ليلة |
|
وما تنقص الأيام والدهر ينفد |
وقال أبو حيّة النميري :
إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة |
|
تقاضاه شيء لا يملّ التقاضيا |
ولذلك يقولون توفي فلان بالبناء للمجهول أي توفّى عمره فجعل الله الموت هو المتقاضي لأعمار الناس على استعمالهم في التعبير ، وإن كان الموت هو أثر آخر أنفاس المرء ، فالتوفي في هذه الآية وارد على أصل معناه الحقيقي في اللغة.
ومعنى (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) أي حكما آخر. فالسبيل مستعار للأمر البيّن بمعنى العقاب المناسب تشبيها له بالطريق الجادّة. وفي هذا إشارة إلى أنّ إمساكهنّ في البيوت زجر موقّت سيعقبه حكم شاف لما يجده الناس في نفوسهم من السخط عليهنّ ممّا فعلن.
ويشمل قوله : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ) جميع النساء اللائي يأتين الفاحشة من محصنات وغيرهنّ.
وأمّا قوله (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها) فهو مقتض نوعين من الذكور فإنّه تثنية الذي وهو اسم موصول للمذكّر ، وقد قوبل به اسم موصول النساء الذي في قوله : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ) ولا شكّ أنّ المراد ب (الَّذانِ) صنفان من الرجال : وهما صنف المحصنين ، وصنف غير المحصنين منهم ، وبذلك فسّره ابن عباس في رواية مجاهد ، وهو الوجه في تفسير الآية ، وبه يتقوّم معنى بيّن غير متداخل ولا مكرّر. ووجه الإشعار بصنفي الزناة من الرجال التحرّز من التماس العذر فيه لغير المحصنين. ويجوز أن يكون أطلق على صنفين مختلفين أي الرجال والنساء على طريقة التغليب الذي يكثر في مثله ، وهو تفسير السدّي وقتادة ، فعلى الوجه الأول تكون الآية قد جعلت للنساء عقوبة واحدة على الزنى وهي عقوبة الحبس في البيوت ، وللرجال عقوبة على الزنى ، هي الأذى سواء كانوا محصنين بزوجات أم غير محصنين ، وهم الأعزبون. وعلى الوجه الثاني تكون قد جعلت للنساء عقوبتين : عقوبة خاصّة بهنّ وهي الحبس ، وعقوبة لهنّ كعقوبة الرجال وهي الأذى ، فيكون الحبس لهنّ مع عقوبة الأذى. وعلى كلا الوجهين يستفاد استواء المحصن وغير المحصن من الصنفين في كلتا العقوبتين ، فأمّا الرجال فبدلالة تثنية اسم الموصول المراد بها صنفان اثنان ، وأمّا النساء فبدلالة عموم صيغة (نِسائِكُمْ).