الباقلاني ، وإمام الحرمين ، والمازري والتفتازانيّ ، وشرف الدين الفهري وابن الفرس في أحكام القرآن بناء على أنّ كثرة الظواهر لا تفيد اليقين ، وهذا الذي ينبغي اعتماده نظرا. غير أنّ قبول التوبة ليس من مسائل أصول الدين فلما ذا نطلب في إثباته الدليل القطعي.
والذي أراه أنّهم لمّا ذكروا القبول ذكروه على إجماله ، فكان اختلافهم اختلافا في حالة ، فالقبول يطلق ويراد به معنى رضي الله عن التائب ، وإثباته في زمرة المتّقين الصالحين ، وكأنّ هذا هو الذي نظر إليه المعتزلة لمّا قالوا بأنّ قبولها قطعي عقلا. وفي كونه قطعيّا ، وكونه عقلا ، نظر واضح ، ويدلّ لذلك أنّهم قالوا : إنّ التوبة لا تصحّ إلّا بعد الإقلاع عن سائر الذنوب ليتحقّق معنى صلاحه. ويطلق القبول ويراد ما وعد الله به من غفران الذنوب الماضية قبل التوبة ، وهذا أحسبهم لا يختلفون في كونه سميعا لا عقليا ، إذ العقل لا يقتضي الصفح عن الذنوب الفارطة عند الإقلاع عن إتيان أمثالها في المستقبل ، وهذا هو المختلف في كونه قطعيّا أو ظنيّا ، ويطلق القبول على معنى قبول التوبة من حيث إنّها في ذاتها عمل مأمور به كلّ مذنب ، أي بمعنى أنّها إبطال الإصرار على الذنوب التي كان مصرّا على إتيانها ، فإنّ إبطال الإصرار مأمور به لأنّه من ذنوب القلب فيجب تطهير القلب منه ، فالتائب من هذه الجهة يعتبر ممتثلا لأمر شرعي ، فالقبول بهذا المعنى قطعي لأنّه صار بمعنى الإجزاء ، ونحن نقطع بأنّ من أتى عملا مأمورا به بشروطه الشرعية كان عمله مقبولا بمعنى ارتفاع آثار النهي عنه ، ولكن بمعنى الظنّ في حصول الثواب على ذلك. ولعلّ هذا المعنى هو الذي نظر إليه الغزالي إذ قال في كتاب التوبة «إنّك إذا فهمت معنى القبول لم تشكّ في أنّ كلّ توبة صحيحة هي مقبولة إذ القلب خلق سليما في الأصل ، إذ كلّ مولود يولد على الفطرة وإنّما تفوته السلامة بكدرة ترهقه من غيرة الذنوب ، وأنّ نور الندم يمحو عن القلب تلك الظلمة كما يمحو الماء والصابون عن الثواب الوسخ. فمن توهّم أنّ التوبة تصحّ ولا تقبل كمن توهّم أنّ الشمس تطلع والظلام لا يزول ، أو أنّ الثوب يغسل والوسخ لا يزول ، نعم قد يقول التائب باللسان تبت ولا يقلع ، فذلك كقول القصّار بلسانه غسلت الثوب وهو لم يغسله فذلك لا ينظّف الثوب». وهذا الكلام تقريب إقناعي. وفي كلامه نظر بيّن لأنّا إنّما نبحث عن طرح عقوبة ثابتة هل حدثان التوبة يمحوها.
والإشارة في المسند إليه في قوله : (فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) للتنبيه على استحضارهم باعتبار الأوصاف المتقدّمة البالغة غاية الخوف من الله تعالى والمبادرة إلى